شرع في رمضان ما لم يشرع في غيره من الأعمال الصالحات، فدلت الآيات الكريم صراحة، والأحاديث النبوية الشريفة، على عظم الأجر وجزيل الثواب الذي ينتظر صاحبه، وإن من الخصائص الإسلامية الشريفة، التي وجب على الأمة تمثلها، وإعطاؤها الحق من الاتباع والاقتداء صفات البذل والعطاء، فقد ورد في البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حتى ينسلخ، فيأتيه جبريل فيعرض عليه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة».
وهكذا ليعلم الناس حال نبيهم في رمضان استئناسا بخلاله الكريمة، وقبسا إيمانيا يستمدون منه الدافعية لمعالي الأمور، وطريق رحب لبذل الوسع، ونشر الخير بين الناس في رمضان، وإن من عظيم ما أمتن به على هذه الأمة، أن جعل فعل الخير من المروءات التي توصل لمرضاة الرب المنان، وفي ذلك مظهر جلي لرقي الأمة، وفرصة عملية لبث ثقافة الخير التي تحفز قريحة القادر، فيمد يده عونا لغيره، ومما يحمد لمسيرة الخير في أمتنا المباركة أنها سارت مترعة بالأمل، تدعو لإشاعة المعروف وتوخي المنفعة، فكانت كالغيث يحي الأرض بعد موات، فما خمدت لها رغبة، ولا همدت فيها نية، فالتف الناس من حولها تؤازر، عندما رأوا من نشاطها ودأبها، فتعلقوا بها وصدقوا مبادئها، ليتسع البر في حاضرها كما اتسع في ماضيها.
ولرمضان مذاق مغاير، عندما تتبارى الكيانات الخيرية الكويتية في سباق الخير المحمود، تعيره من روحها الخالصة، فتحيط الفقراء والمساكين بسياج من رعايتها، وتطرح بين أيديهم من مشاريعها النافعة، التي تعينهم على تحمل أشد العسف، وتفتح أمامهم موائد عامرة بأطايب الخير، ولذائذ المعروف، وهي مع هذا لا تريد جزاء ولا شكورا، فتنوع أوعية الخير فضل عظيم، وجهد حق له أن يأخذ حظه من الرعاية والتشجيع، وبارقة أمل تنشر الرحمة، حين تحفز الهمم، وتجرف الفقر المطبق حول أعناق أهل الحاجة، وتقذف به إلى غير رجعة، إن المدرسة الرمضانية فرصة لتوفير حياة كريمة، لأولئك الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة، خاصة ممن لا يجد عملا يمسك من ورائه رمقه، ولا تقتصر نفحات رمضان في الكفالات المادية الممنوحة، وتوفير أسباب المعيشة ببسط الكف، بقدر ما هي دعوة للمسلم كي يجاري طبيعة الخير التي ركبت فيه، فيملأ قريحته بعواطفه السامية، ويوقظ في نفسه الرغبة فيشعر الغني بالفقير، في مران أخلاقي يربي المجتمع على قيم التكافل، ويبعث فيه روح الألفة.
يشق العمل الخيري الكويتي طريقا يرفل في ثيابه الزاهية في رمضان خاصة، مواسيا للفقير، مؤنسا لليتيم، ومعينا للمتعفف، ومحسنا لذوي الحاجة المعيل، فله في كل بلد راية، وفي كل مجتمع مائدة عطاء، تبشر بميلاد خيري جديد، جاعلا من الإحسان وسيلة لإعمار الأرض، وبناء الإنسان السعيد، في مجتمع صحي سليم يؤازر بعضه بعضا، لتصبح مشاريع الكويت موجودة في العالم وجود الروح في الجسد.