تلعب الثقافة دورا محوريا لا يمكن تغافله في بناء مفاهيم الشعوب، وتقدير قناعاتهم، إذن، هي الوسيط الفعال الذي يطرح نفسه، ممتهنا تحقيق التواصل، وتقديم الرؤى التي على ضوئها تتشكل ملامح الكيانات الإنسانية، ولهذا الدور المرجع التاريخي الأصيل، الذي يضرب بجذوره في أعماق مسيرة الإنسان، منذ أن عرف طريقه في التعبير عن نفسه والآخرين.
والثقافة بروافدها المتشعبة هكذا في كل مناحي الحياة، ما جعل كثيرين يظنوا أن في هذا الامتداد تتمثل مظاهر الحياة، فالثقافة مفهوم واسع فضفاض يحوي أنماط معاش البشر ودروبهم، أدركنا جميعا هذه الوظيفة، وتأكدنا كيف تصبغ الحياة صباغة فنان متقن، كيف تؤثر في سلوك الفرد، فتخلق لديه حالة شعورية صريحة، تبدو متجلية في طرق الرفض أو القبول، وإذا كان للثقافة هذا القدر من القوة والهيمنة، فلا مانع من أن تحرك القرائح للاستفادة منها، لإشغال مساحة تتحقق معها نسب فائدة نرى مردودها مجتمعيا.
ومن الذكاء التفكير في أن يطرق العمل الخيري كثقافة عقول الناس، تنير زوايا من تفكيرهم، وهذا التكفير لابد وأن يبسط له، كي يكون في شغل من تنميته، والإسهام في فرضه واقعا، وجعله ركيزة لا يستغنى عنها، إن الحاجة ماسة لأن نجعل من نشر الخير ومعاونة الإنسان لأخيه مظلة يلجأ إليها المجتمع، للاحتماء من نكباته، وإلا فأنى له أن يأتي بتلك الأدوات التي تهبه الاستقرار، وتمنح أفراده الكفاية، ولعل مسؤوليتنا الجماعية تستدعي هذه الثقافة لتعمم، كي يكون منتجها أجدى وأوفر ماديا ومعنويا، والتربية على ثقافة الخير وحب المعروف، هي المرتكز الذي لا خروج عنه، بداية من الأسرة التي عليها المعول، ملزمة بتأسيس هذه القيم، وتنشئة أبنائها عليها، كنوع من الفروض الأسرية التي تطرح على مائدتها، الحقيقة الحاضرة التي تحتاج إلى إعادة توجيه، أن تجعل من ثقافة العطاء مادة ثرية تطرح مجتمعيا بصورة أكثر كثافة، وأن تحشد لها من الجهود العملية ما يكفي، وللإعلام دوره الخلاق في تأدية خدمات تثقل هذه المسيرة، وتضفي عليها الزخم، لتؤدي ما يجب أن تفعله، وتطرح من الأفكار المتجددة، التي تتفهم حاجة الناس لأن يتكاتفوا في وجهة موحدة.
نستطيع القول إن خروج هذه الثقافة من حاضنة رسمية، تتعاون فيها الكيانات الخيرية فيما بينها، هي مبادرة طيبة وفرصة لا يجب إضاعتها، وإن تهيئة ميثاق عمل يعلي من ثقافة العطاء مجتمعيا، سيصب في مصلحة الخير كشعيرة إنسانية، تعيد تشكيل وجهته، وتفسح المجال لاستقطاب المتبرعين الذين هم عماد العمل ومحوره.