إن أوضح دلالة على فاعلية العمل وقوة حضوره، وبلوغه لرتبة من الرضا، هي وصوله لدرجة مطمئنة من غزارة الإنتاج، ووفرة العائد.
وهذا في ظني المؤشر المؤكد على أنه يسير على جادة الطريق، وأنه يفرض نفسه من خلال واقع ترسمه نتائج عملية، تتحدث بها الأرقام وتبرزها الإحصاءات.
والعمل الخيري كأي عمل يسعى لترسيخ قدمه على الأرض ويحدث الأثر داخل المجتمعات، فتتجلى في كل خطوة يخطوها جنة وبهجة، تزيل عن القلوب الملهوفة عنت الحياة، وتوردها موارد السعادة والهناء.
تتردد على الشفاه ابتسامة الإشفاق والرحمة، تخرج للناس مملوءة بالأمل والثقة في الحياة، فلا نترك سببا للتحرك لنجدتهم، خاصة والإنسانية في كل مكان طعمة للجوع والمرض والاحتياج.
وإذا كنا قد اتفقنا على أهمية توافر القيم السابقة وضرورة تبنيها، وجاهزية العمل الخيري لأن يحمل أعباءها بأمانة واقتدار، فإن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، فنظرة لما بات يتهدد العالم من نقص الموارد، وشح الخامات، وتقلص الثروات، وعجز بعض الحكومات أمام انفجار سكاني تلتهم طوابيره العاطلة الإنتاج، لتضع العالم على مفترق الطرق وسط حيرة وفزع. فحتى وإن كان قطاع الأعمال الخيري يقوم على ما تجود به أيدي المحسنين، الذين لبوا عن طيب خاطر دعوات البر بالفقراء، وسعوا لمؤازرة الكيانات الخيرية العاملة في الميدان، لترميم جدار الإنسانية المتهدم ببعض الإسعافات الأولية، فالأمر يحتاج لوقفة جادة وتدبر، فحتما وبمرور الوقت وتقادم العهد ستصبح هذه التبرعات، عاجزة عن الوفاء بمتطلبات الطوابير الطويلة من المستحقين. إذا فالحل مرتهن بتعديل المسار الخيرى، فتتجه الكيانات الخيرية مجتمعة إلى ترسيخ ثقافة الاكتفاء، التي تسمح بالبحث عن بدائل أقوى، تجعل من الأيدي الممتدة بالسؤال، سواعد عاملة تسهم في تحقيق كفايتها، وصناعة واقع يسمح لها أن تصبح شريكا داعما لغيرها.
فحاجة مشاريعنا الخيرية الخارجية لتعميم مفاهيم الاكتفاء وتبني أدبياتها، أوجب الواجبات، فصناعة خيرية تعجز عن توفير مصادر تمويل تحتاجها هي والعدم سواء. إن ثقافة الاستهلاك بصورها النمطية المعهودة عن العمل الخيري، لابد من تغييرها لتحل محلها مفاهيم الاستدامة والتنمية، بل والدفع بمخططات طموحة يطمئن إليها الخاطر لصناعة عالم ثري، يتجه فيها الفرد لكفاية نفسه، وإعالة مجتمعه. لذا فالواجب على شركاء الخارج اعتماد هذه الآليات الواعدة، وترجمتها في صور مشاريع تدر من العوائد ما يغطي مساحة ملائمة من الاحتياج بالأوساط الفقيرة، وإقرار مشاريع قابلة على مدار الوقت لأن تصبح قاعدة انطلاق نحو مستقبل أكثر أمنا، لاكتساب القوت، واحتمال العيش، يكون فيه الفقير أسعد حالا بالحياة نفسها.