دلال مدوه
لا يخفى على الجميع ما للتدريب من اهمية كبرى في اكساب الفرد معلومات او مهارات جديدة او تطوير ما لديه من معارف وخبرات سابقة.
وقد اهتمت الدول المتقدمة بالعملية التدريبية، فقامت بتشجيع افراد المجتمع على التدريب وتنمية الذات من خلال توفير العديد من التسهيلات والمراكز التدريبية بمختلف التخصصات.
كما رصدت الشركات الكبرى هناك المبالغ الهائلة، ووفرت التقنيات ووسائل التكنولوجيا الحديثة لتدريب موظفيها، وذلك من اجل تحسين اداء الموظف وزيادة انتاجيته.
وفي مجتمعنا، ساهم عدد من المختصين في مجال التنمية البشرية، وكذلك بعض مراكز التدريب العريقة، وكم من الشركات التجارية والبنوك الرائدة، وقلة قليلة من الجهات الاخرى ذات الانشطة المتنوعة، فضلا عن وسائل الاعلام المختلفة في نشر الوعي حول اهمية برامج التدريب للفرد والمجتمع.
وللاسف لم تستفد العديد من الجهات الحكومية من الدورات الخارجية والبرامج التدريبية التي نظمتها سابقا وتنظمها بشكل دوري لموظفيها وقيادييها في تطوير العمل وتحسين الاداء وذلك لاسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا.
لقد لاحظت مؤخرا انتشار ظاهرة غريبة لدينا، الا وهي تسابق العديد من الاشخاص للانخراط في مجال التدريب، وصار الكل يسعى ليكون مدربا، خاصة في مجالات وبرامج التنمية البشرية كبرامج «الطاقة، الريكي، البرمجة اللغوية، العلاج بخط الزمن..» وغيرها من البرامج التي تعمل على الارتقاء بعقــــلية الفرد، وتنمية ذاته، فأخذ هؤلاء يطلقون على انفسهم مسمى «مـــــدرب»، ويـــــقومون بتدريب الآخرين بمجرد خضوعهم لدورة تدريــــبية مبسطــــة، او قراءة كتاب من اكبر الكتب مبيعا في مجال التطوير والتدريب وتنمية الذات، فأصبح التدريب للاسف مهنة من لا مهنة له.
واني اتساءل: ما سبب هذا التهافت الشديد على مجال التدريب وتنظيم الدورات التدريبية؟ هل هي فعلا الرغبة الكبيرة من جانب هؤلاء لخدمة المجتمع وتشجيع الآخرين على تطوير ذواتهم؟ ام هو حب الشهرة ولفت الانظار؟ او لعلهم يريدون الحصول على احترام الآخرين والوصول لمكانة اجــــتماعية رفيــــعة؟ او ربمــــا دفعهم اغراء الجانب المادي والكسب السريع؟ او ان هذا الاندفاع كان نوعا من التقليد والموضة السائدة في المجتمع هذه الايام؟
واذا تأملنا التساؤلات السابقة نجد ان الدوافع قد تختلف من شخص لآخر وربما يكون واحدا او اكثر من تلك الاسباب او كلها مجتمعة.
وبغض النظر عما يسعى له ذلك الشخص من اهداف، الا ان هذا لا يمنع ان يحصل عليه بصورة صحيحة، وبعد جهد وتعـــب، واعداد مناسب لنفسه، ولمهاراته التي تؤهله ليقوم بدور المدرب.
وليتذكر قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) «ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه».
ويرى العديد من الخبراء والمتخصصين ان من اهم المواصفات والمهارات التي يجب ان يتحلى بها المدرب اولا: فنون الالقاء (كمهارات العرض والتقديم، واساليب التأثير والاقناع، وطرق الاستحواذ وشد الانتباه، والقدرة على استخدام لغة الجسد، ونبرات الصوت، وكيفية معالجة الاعتراضات، وادارة الحوار والنقاش)، ثانيا: المهارات الفكرية (كالابداع وجودة التفكير والمنطق والاستدلال والاطلاع على احوال الناس وانماط حياتهم ومشاكلهم والقدرة على التفريق بين الأعراض والاسباب للمشاكل المختلفة وتقديم الحلول المناسبة)، ثالثا: المهارات السلوكية والاخلاقية (كالتواضع وحسن التعامل مع الآخرين وفنون الاصغاء والانصات والنية الحسنة والرغبة الحقيقية في مساعدة الآخرين واحترام الوقت وحسن ادارته) وغيرها من المهارات الضرورية لنجاح المدرب في عمله.
من وجهة نظري، فإني اعتقد انه قد حان الوقت لاحاطة العملية التدريبية باطار مناسب يحافظ عليها من الدخلاء، ويوفر الحماية الملائمة لافراد المجتمع من هؤلاء، وذلك من خلال تأسيس «جمعية التدريب الكويتية» لتضم تحت مظلتها خبراء التنمية البشرية المتميزين، والمدربين من ذوي الكفاءة والخبرة في مجال الارتقاء بالنفس وتطوير الذات، بحيث تكون هذه الجمعية هي الجهة المسؤولة عن اعتماد، وتأهيل المدربين في هذا المجال، وكذلك التعاون مع المعاهد والمراكز التدريبية لدعمهم وتوفير فرص العمل الملائمة لهم.
حينها ستـــنتهي فوضي الدورات التدريبية المنتـــشرة في مجتمعنا هنا وهناك، والتي سببت اختلاط الحابل بالنابل، والغث بالسمين، وتعرض بسبـــبها المدربون المبدعون للـــــظلم والاجحـــــاف، والخسارة المادية والمعنوية، وكم كبير من الاحباطات، نتيجة مقارنتهم مع غيرهم من الدخلاء الذين لا يملكون القدر نفسه من الخبرة والكفاءة في هذا المجال، تلك الاحباطات التي جعلت بعضهم يهرب للخارج بحثا عن فرص عمل افضل وتقدير اكبر.