ضاري المطيري
عميد كلية الشريعة د.محمد الطبطبائي معروف لدى الجميع باطلاعه الواسع على الجوانب الشرعية وبما له من الخبرة الكبيرة فيما يطرأ من مستجدات اقتصادية وسياسية في العالم الاسلامي، اي بعبارة اخرى لديه إلمام ان صح التعبير بما يسمى بفقه الواقع الذي يجمع بين الاصالة والمتغيرات بمنظور شرعي، وقد شهد ولله الحمد بفضله وجلالة علمه القاصي والداني، في داخل الكويت وفي خارجها، لكن كما يقال انما تُرمى بالحجارة الشجرة اليانعة المثمرة.
لقد ساءني تعدي البعض على د.محمد الطبطبائي، خاصة فيما يتعلق بفتواه في حرمة شراء الحكومة للمديونيات، أهكذا يكون التعامل مع المخالف؟ وما الغريب في ان تكثر تصريحات من عليه الاضواء ومن ترقبه الاعين؟ وما العجيب في ان يزل او يهفو من يكثر من الفتيا جبرا لا اختيارا؟ لكونه ابتلي بها، فلم يطلبها لكنها هي من طلبته ولحقت به، ولقد رأيت من فضيلته عن قرب كرهه للتصدي والردود على المخالف وانما تسأله فيجيب بحسب علمه، فلا هو من الذين يلهثون خلف الاضواء انما الاضواء تجري خلفه، ولا ازكي على الله احدا، فالله حسيبه.
لا ينبغي التطاول على الآخرين، فضلا عن ان يكون هؤلاء الآخرون اهل علم وفضل، لذا اود اولا التذكير بأنني لست بصدد الحكم على فتوى د.محمد الطبطبائي لأنني لست بفقيه، فضلا عن ان احكم على فتاوى العلماء، لكني اريد بيان حال السلف مع فتاوى الاكابر في عصرهم كيف يتعاملون معها وان خالفت آراءهم فأريد ضرب امثلة على الفتاوى التي تخالف اهواء جموع الناس، لكنك مع ذلك تجد فيها المفتي قويا في القول بها، فأبوبكر يجيش الجيوش ويعد العدة لحرب اهل الردة ومانعي الزكاة رغم مخالفته في بداية الامر لاهل الشورى كعمر بن الخطاب، رضي الله عن الجميع، والذين كانوا يتحرجون من قتال من يشهد الشهادتين وان لم يؤد الزكاة الواجبة عليه، لكن لم يلبث المسلمون حتى تبينوا صواب الخليفة ابي بكر من غيره، ومثال آخر في عصرنا الحديث فتوى سماحة الامام ابن باز، رحمه الله، في جواز الاستعانة بالقوات الاجنبية لدحض المعتدي في فترة طاشت عقول الكثيرين فيها واختلط فيها الحماس والتردد، واتهم الداعية آنذاك بالمؤامرة والمداهنة، لكن الحق ابلج فكانت الفتوى قد وافقت الصواب بعد انقشاع الفتنة، فنستفيد من كل ذلك عدم التسرع والتعجل في رد او حتى قبول الفتوى وان نسلك مسلك الحيطة في اعراض العلماء، وقديما قالوا«لحوم العلماء مسمومة».
والعجيب في الامر ان يستسيغ ويستمرئ البعض الرد على الفتاوى المالية في ابواب المعاملات والتي تخالف هوى اكثر الناس بالرد القاسي والخالي من الادب والاخلاق، بينما لا يكلف نفسه القليل بالرد على من «يخربط» بمسائل التوحيد ويقلل من مخاطر الوسائل الشركية كالتبرك والطواف بالقبور بل ويلبس على عوام المسلمين دينهم الذي فطروا عليه.
لقد كنت في الماضي من الناس الذين يستاءون من تلفظ بعض الكتاب ولمزهم للبعض الآخر بقولهم «المستترين بالدين او المتأسلمين»، اي لمآرب سياسية، لكني بعد رؤيتي للتعدي الصارخ على عميد كلية الشريعة من بعض المسيئين للاسلاميين وغيرهم قد اعيد النظر في مثل هذه المصطلحات لكوني للاسف قد رأيت من يستحقون مثل هذه الالقاب، والله هو المطلع على السائر.
في الختام اذا اردت ايها القارئ الكريم معرفة ماهية الشخص والاطلاع على سلامة عقله من سقمه، فانظر الى كلماته ومفرداته فهي تنم عن تفكيره واخلاقه، فالرديء منها يدل على رداءة قائله، والطيب على طيب قائله، وصدق الله تعالى اذ يقول (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات).