إن صناعة تنظيم إداري وتنسيق مؤسساتي هي حالة حضارية مطلوبة، ضمن أهداف من يريد صناعة «الإيجابية» في الحياة، والتقدم في المجتمع، ما يعزز دور الدولة ويقوي وجودها ويضبط أداءها وما يجب أن تقوم به.
في بلدنا الكويت جميع الأغذية تخضع لنظام رقابي، عبر مؤسسات حكومية متخصصة للتأكد من سلامتها على المستهلك، ما عدا ما يحدث في شكل «غير نظامي» مع «الباعة المتجولين» وهناك سلبيات أخرى ترافق تلك الظاهرة، منها عمالة الأطفال واحتمالية حدوث حوادث الطرق بسبب عملهم عند إشارات المرور أو على الطرق المزدحمة، وكذلك زيادة العوارض الصحية مثل حالات الإغماء أو الجفاف مع ارتفاع حرارة الجو والشمس الملتهبة، أو فساد ما هو معروض من الأغذية، وزيادة نسبة تلوثه جرثوميا وكيميائيا، وعدم صلاحيته للاستهلاك الآدمي، لأن هذه الأغذية غير خاضعة لرقابة الدولة والمراجعة الصحية وكذلك طريقة حفظها وعرضها يجب أن تكون ضمن اشتراطات صحية معينة.
ولا ننطلق هنا في دعوة لـ «قطع الأرزاق»، إذا صح التعبير، ولكن نريد تفعيل الرغبة في «التنسيق» وربط مؤسسات الدولة المعنية، ونحن نقول إننا علينا أن نتحرك في خط «التنظيم» وليس «التكسير»، فهناك من لديهم ظروف اجتماعية قاهرة وحالة مادية صعبة، ويعيشون البطالة، وكذلك أسرهم تعتمد عليهم في المعيشة، ولكن ضمن أمور أخرى «سلبية»، علينا القول: إن هناك دائرة اقتصادية «خفية» تتحرك فيها الأموال ضمن هذه الظاهرة تمثل جانبا يجب ربطه بالاقتصاد «المكشوف» للبلد، وأيضا هناك جانب أمني يزيد الثقل على أعباء وزارة الداخلية، وما نرغب به هو نقل ظاهرة الباعة المتجولين من حالة سلبية إلى وضع إيجابي نظامي.
ولدينا في التجربة البريطانية المثال الناجح والنظام الجيد، حيث نستطيع الاقتباس منه وتفعيله في مجتمعنا بعد مراجعته في القنوات الرسمية عند السلطتين التشريعية والتنفيذية.
في التجربة البريطانية التنظيمية للباعة المتجولين، يتم منح تراخيص خاصة لهم، ونرى تخصيص أيام معينة ومواقع محددة، وبطاقات عمل، ورقابة دولة، وتفعيل مؤسسات... الخ، وهذه كلها يمكن الاستفادة منها في واقعنا الكويتي.
هذا هو السبيل العملي الحضاري للحفاظ على الصحة العامة، الذي يتحرك بالإيجابية والمؤسساتية وحكم القانون وتقوية الدولة وغير ذلك فيجب رفضه ومنعه، وضابط إيقاع الإدارة والاقتصاد والأمن يجب أن يكون نظاميا بيد الدولة وليس خارجها وهذا هو التنظيم الذي نريده وليس «التكسير» الذي نرفضه.