هناك بالأمس القريب من رفضوا وحاكموا رأي أكاديمي بحت من مفكر فرنسي معروف اسمه روجيه غارودي بخصوص نقاشه العلمي حول «محرقة اليهود النازية» وهو نقاش من مختص أكاديمي معروف في كتاب علمي محكم بالدليل يتعلق بقضية تاريخية غير مقدسة وهؤلاء رفضوا اعتبارها «حرية تعبير» أو حرية بحث علمي وهم اعتبروا تلك القضية التاريخية مقدسة وهي ليست كذلك؟!
ولا أعرف لماذا لا يشاهد «هؤلاء» ما يسمونه «حرية التعبير» إلا بشتم مقدسات المسلمين وإهانة رموزهم؟ ولا أعرف أين هي الفائدة العلمية أو أين هو المنتوج الحضاري أو أين هو الإبداع بالشتم والسب؟!
إن كلمة «الحرية» مصطلح هلامي ليس له تعريف محدد، بل إن الممارسة المفتوحة لمعنى الحرية تتناقض مع الحرية نفسها، فهل الحرية الفردية ممتدة لكل المجتمع أم أنها محدودة إذا تناقضت مع المجتمع أو أفراد آخرين؟ وماذا عما إذا تناقضت حرية المجتمع مع حرية فرد أو تناقضت رغبات أشخاص ضد بعضهم البعض؟
فمن يقول بأنها محدودة ضمن نطاق أفراد، أو يقول العكس بأنها ممتدة بلا حدود إذن في كل هذه الحالات وغيرها من الاحتمالات فإن ذلك يخالف ويناقض كلمة الحرية؟ فلذلك نقول ان هذه الكلمة «الحرية» تناقض نفسها بنفسها حيث يلغي التطبيق معني الكلمة. لذلك المعنى الأدق هي «الحرية الملتزمة» فلا يوجد شيء اسمه الحرية المفتوحة على مستوى التعريف واللفظ وأيضا على مستوى التطبيق. ولعل الجميع يتفق على أن السب والشتم والإهانة سقوط أخلاقي وقلة أدب عامة بما يمثل على المستوى القانوني جريمة جنائية وبالتالي لا تمثل حالة إيجابية، بل حالة سلبية ليست مقبولة بأي دين سماوي أو منظومة أخلاقية بشرية فطرية طبيعية.
والإسلام كمنظومة فكرية متكاملة ينطلق قرآنيا بالحوار والاستماع إلى الرأي الآخر والتعايش مع الديانات السماوية وأيضا ينطلق بالسؤال المفتوح ويدعو إلى العقلانية والمنطق، وهذه آيات الذكر الحكيم والتاريخ النبوي يتوافق معها ضمن الحركة التطبيقية لها على ارض الواقع.
٭ قال عز وجل (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) «النحل 16/125».
٭ ويقول سبحانه: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) «العنكبوت 29/46»
٭ ويقول أيضا: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) «فصلت 41/33-34»
لذلك نقول إن الإسلام ليس عنده عقدة من السؤال أو التعبير أو التفكير، ولكن العقدة ليست موجودة عند الإسلام، بل في مكان آخر.