انتشر في زمننا الحالي مسألة السرعة القصوى في كل المجالات، وهذا الأمر له بعض الإيجابيات في مجالات معينة، لكن سلبياته متفجرة في مواقع أخرى، وخاصة في مخاطرها على جيل الأطفال والمراهقين الشباب، حيث إن هناك جيلا صغيرا في العمر وسيكبر مع الزمن بطبيعة الحال وهو «مدمن» بالارتباط مع وسائل التواصل الاجتماعي «الوهمي أو الافتراضي» ومنها على سبيل المثال تطبيق «التيك توك» والذي نخصه بالحديث والنقاش لأسباب علمية وموضوعية بحتة فقط، وهو التطبيق الذي يتميز بالفيديوهات القصيرة، في الغالب تكون مدتها 30 ثانية، ولكن مع هذا التطبيق وغيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي الإلكترونية تمت ملاحظة انعدام القدرة على التركيز وفقدان الانتباه المتواصل، فعلينا أن نتساءل عن تأثير تلك التطبيقات المبنية على المقاطع القصيرة والسريعة من موضوع إلى آخر من غير تفكير أو تسلسل منطقي على برمجة أدمغة المستخدمين.
ان هناك تأثيرا فرديا مجتمعيا ثابتا إحصائيا بهذا الخصوص وهنا الخطورة، ونحن لا نتحدث عن نظريات تتحرك في الهواء، لأن الإحصاء هو إثبات حسابي دقيق يثبت النظرية الموجودة إذا صح التعبير.
حيث قامت الحكومة البريطانية في دراسة إحصائية من خلال الهيئة التنظيمية للاتصالات أثبتت أن 73% من الشباب بين عمر 16 و24 يستخدمون تطبيق التيك توك والانستغرام كمصدر رئيسي للأخبار؟! وهذه الأعمار واضح أن اغلبهم من طلبة الثانوية العامة أو الجامعة أي من غير العاملين أو الموظفين، وهذه النسبة أعلى بكثير من الفئات العمرية الأكبر سنا والتي مازالت تعتمد في صورة كبيرة على وسائل الإعلام التقليدية للحصول على الخبر والمعلومة.
الأمر الآخر المهم حسب نفس الدراسة أن تطبيق «التيك توك» وحده أصبح أسرع وسيلة نمو في أعداد وأرقام المتابعين له لمعرفة الأخبار.
الخطير من كل هذه الحقائق الإحصائية أن هناك كتلة بشرية ضخمة أصبحت غير معتادة على القراءة الطويلة الممتدة وفاقدة القدرة على التحليل الموضوعي والنظر بعقلانية وغائبة عن الانتباه والتركيز ولا تستطيع التدقيق.
إن فاقد القدرة على كل هذه الأمور لا يستطيع الوصول إلى عمق الأخبار وما وراء الحدث أي انه يعيش السطحية في الموقف والركاكة في التقييم وهشاشة الإدراك والهامشية في الأهداف، وهذا كله لديه تأثير كارثي كبير إذا فقط ركزنا على أن هذه الكتلة البشرية الكبيرة ستدخل إلى سلك العمل والوظيفة وهي فاقدة للقدرة على الإنتاجية الوظيفية والإبداع الفردي في العمل، وهذا أمر مهم له جوانب اقتصادية واجتماعية يحتاج لوقفة من الدولة.
أن المسألة لو لم تكن خطيرة لما استدعى الأمر هذه الدراسة والتقييم، وعلينا نحن أن ندرس المسألة في الأسباب والمسببات في ناحية علمية، وان نحاول إصلاح الضرر من خلال خطط تعالج المسألة قبل أن تصبح لدينا مشكلة اجتماعية إدارية نفسية تأثيراتها أكبر من قدراتنا، وأيضا تكلفة علاجها ستكون ذات تكلفة أكبر في ضياع جيل كامل إذا تأخرنا في العلاج والتصدي.