إن كيفية قيادة «بعض الناس» للمركبات تعكس «ثقافة سلبية» موجودة، وللأسف الشديد أصبحت القيادة أمرا خطيرا مع وجود هذا الجانب الثقافي «السلبي» حيث الاستهتار وعدم احترام إشارات المرور والامتناع عن لبس حزام الأمان واستخدام الهاتف أثناء القيادة وغياب الالتزام في المسارات والحارات، وأيضا هذه «الحرب في الشوارع المستمرة في أوقات الزحام» حيث تلاصق المركبات ومعارك الخروج من الشوارع الفرعية في شكل غير نظامي ودون احترام للغير، ناهيك عن الكارثة الكبرى في استخدام الشاحنات الضخمة والوانيتات المرعبة كمركبات سباق خطرة وأداة للتنقل بين حواري وشوارع المدينة، وإحصائيات الموت الكارثية دليل مستمر متواصل على أدوات كهذه للقتل بدون أي يوقف استعمالها احد، وخاصة مع انتشار قيادتها من المراهقين وأصحاب الهوس الاستعراضي المريض.
إن «السيارات» مخصصة لتنقل الأفراد والعائلات وقضاء اللوازم اليومية، ولكن «الشاحنات» هي مركبات ذات طبيعة «خاصة» و«أهداف معينة» وتتطلب بيئة مختلفة، فهي ليست للتنقل الشخصي والعائلي، وهي مرتبطة بـ«الاقتصاد» و«العمل الإنتاجي» وخاصة في المزارع والمصانع وسكان القرى والأرياف، وهي تحتاج إلى تدريب «خاص» ويفترض أنها تحتاج إلى رخصة «حرفية» لمن يحتاجها فقط.
إن الثقافة والرقي والوصول إلى الحالة الحضارية أحد انعكاساتها وتطبيقاتها على ارض الواقع تكون على الطريق وفي أسلوب قيادة المركبات ،وهذا يعكس ثقافة «جزء من المجتمع» التي قد تكون إيجابية صحية وهذا المطلوب وقد تكون على العكس «سلبية» وهذه هي الثقافة المرفوضة.
إن الثقافة فعل «تراكمي تعليمي متطور مع الزمن»، وليس فعلا وراثيا فالإنسان لا يولد مثقفا ولا متعلما، انما يؤثر فيه مجمل المحيط العائلي والاجتماعي والثقافي وأيضا الانضباط القانوني لمؤسسات الدولة، فكلها تصب وتتحرك لصناعة ثقافة الفرد التي تنعكس مع الوقت على «ثقافة قيادة المركبات». هذه العوامل والتأثيرات هي المصنع الحقيقي لثقافة وسلوكيات أي شعب، وثقافة الشارع هي انعكاس حقيقي لثقافة البيت والعائلة وقوة مؤسسات الدولة النظامية والقانونية، لذلك هناك من يقول: ان هناك ارتباطا بين تقدم الدولة والمجتمع وطريقة استخدام الطريق، كما نرى في بريطانيا وألمانيا واليابان وماليزيا وسنغافورة كأمثلة على مواقع حضارية راقية والتي لا تقتصر فقط على عرق معين أو قومية.
إن هناك فئة ليست قليلة من سائقي المركبات يضربون بهذه القوانين عرض الحائط، فهم يرفضون تطبيق «ثقافة الطريق الإيجابية الحضارية» ويصرون على ما هو سلبي وخاطئ وضار من التصرفات على الطريق، والمصيبة الأعظم أن تلك المسألة ليست منتوج جهل وعدم معرفة بما هو إيجابي وحضاري، فهؤلاء يعرفونها تمام المعرفة ويدركون مخاطر وعواقب تجاهل «ثقافة الطريق الإيجابية»، فيحكمون أهواءهم على حساب عقولهم، لتتحول طرقاتنا إلى مقبرة كبيرة تبتلع الطفل، والشاب، والرجل، والمرأة، والعجوز والمريض، لم تكن الغاية يوما من الطرقات أن تكون أداة لاستنزاف الأرواح وإتلاف الممتلكات لذلك غياب ثقافة الطريق الإيجابية الحضارية، هي من أهم الأسباب وراء هذه الحوادث القاتلة الصانعة للموت والمأساة بين العوائل.