«العرب» لن يستمروا خارج نطاق الحضارة وصناعة النهضة الحقيقية في التنمية والعمل الإبداعي ما دامت هناك «خطط مؤسسية للدولة تتحرك على أرض الواقع»، وما دامت هناك «مؤسسات تقرأ الحدث الدولي» بطريقة علمية وحسب المصالح العربية، وهذا ما نراه يتحقق على أرض الواقع في المملكة العربية السعودية في نقطة مفصلية في تاريخ البشرية مع نهاية سيطرة القطب الدولي الأوحد إلى عالم متعدد الأقطاب تتم فيه إعادة التوازن في مبدأ العلاقات الدولية، والسياسيات الخارجية، فبينما كانت البوصلة في هذا المجال متجهة غربا، أدارت المملكة البوصلة شرقا من دون الإضرار بالعلاقات مع جميع الاتجاهات الأخرى، بما يمثل «حيادا إيجابيا مطلوبا» مع تقوية للشراكة الإستراتيجية للمملكة مع أقطاب القوى الكبرى العالمية الجديدة القادمة وخاصة جمهورية الصين الشعبية، وهذا الأمر مهم أيضا لأن به تأكيدا على دور المملكة العربية السعودية «الوسطي» والمتكافئ والعادل في حل النزاعات العالمية، والمساهمة بما تملكه المملكة من إرث ديني وسياسي وحضاري واقتصادي في صناعة النهضة العربية المنشودة والتنمية للمجتمع والسعادة للإنسان الخليجي والعربي.
في هذه الأجواء الإيجابية جرى حفل التخرج من جامعة جدة للدفعة الأولى في تخصص اللغة الصينية في السعودية، وهذه انطلاقة إيجابية متجددة لمسيرة طويلة صحية لتطور العلاقات بين البلدين، وهذه الدفعة الأولى هي حجر الزاوية والقاعدة للانطلاق الأوسع في التعاون البناء في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والصناعية بما يخدم العرب ويفيد الصين بطبيعة الحال كما قامت السعودية بإدراج اللغة الصينية مقررا دراسيا على جميع المراحل التعليمية في مدارس وجامعات السعودية منذ عام 2019 وهذه بالتأكيد خطوة في الطريق الصحيح، حيث إن اللغة الصينية هي كبرى اللغات من حيث عدد المتكلمين بها كـ «لغة أم»، فمن بين سكان الأرض البالغ عددهم 7.2 مليارات نسمة يتكلم اللغة الصينية 1.39 مليار شخص، وهذه الأرقام فقط تعطينا أهمية ما حدث وما جرى.
إن العلاقات الديبلوماسية بين السعودية والصين التي انطلقت عام 1990، ترجمت انفتاحا في الأبعاد الثقافية والمجال التعليمي، والتعاون في مجال التدريب المهني، كما تعد المملكة أكبر شريك لبكين في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنها المصدر الأول للنفط بالنسبة للصين.
ومثل تدريس اللغة الصينية عزما سعوديا على الاستثمار في لغة الأعمال المستقبلية، وهي باب التبادل الحضاري، وحجر أساس في بنية العلاقات السعودية - الصينية في المجال التعليمي، الذي يؤسس لتعظيم الروابط الشعبية والثقافية والتبادل المعرفي بين البلدين، وكذلك تم إدخال مادة اللغة العربية في المدارس الثانوية الصينية.
إن العالم، كل العالم، يتغير ويتحول لعالم متعدد الأقطاب وعلينا أن ندرك ذلك ونفهمه وأيضا أن نستعد له لكيلا نكون خارج التاريخ، وهذا ما قامت به قيادة المملكة العربية السعودية بنجاح لأنها عملت وخططت وتحركت مؤسسيا مع رجال دولة حقيقيين لديهم خطط تطبيقية على أرض الواقع تنتهي في الوصول للأهداف، ومنها نستطيع نحن «العرب» أن نعيد الدور الحضاري المفقود لنا.