في عام 1853 أصدرت الحكومة البريطانية أول قانون للتطعيم الإلزامي في العالم. كان يطلب من جميع الأطفال بسن الثلاثة أشهر التطعيم ضد الجدري.
في ذاك الوقت، قد يؤدي عدم القيام بذلك بدفع غرامة قدرها 1 جنيه إسترليني. في ظاهر الأمر، يبدو أن استخدام اللقاحات ضد سارس كوفيد2 قد تتطلب علاجا مشابها لما تم في بريطانيا.
تدرك معظم الحكومات أن التطعيم هو أسرع طريقة للخروج من الوباء. لكن إلزامية التطعيم لعامة السكان البالغين نادر وغير مألوف، لسبب وجيه.
حيث يجب الموازنة بين الفوائد التي تعود على المجتمعات وحقوق الأفراد في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.
تقول منظمة الصحة العالمية إن التطعيم الإلزامي يجب أن يكون «ضروريا ومتناسبا» في تحقيق «أهداف الصحة العامة المهمة».
في الجانب الآخر، من المألوف وجود القوانين التي تنص على ضرورة تطعيم الأطفال، أو بعض العمال، أو المهنيين، أو المسافرين الذين يصلون إلى بلد ما.
وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة مكغيل أنه في عام 2018، كان لدى 105 من أصل 193 دولة لقاح إلزامي واحد على الأقل، ومن بين هذه الدول، فرضت 62 دولة عقوبات على عدم الامتثال.
كانت العقوبات التعليمية والمالية هي أكثر أنواع العقوبات شيوعا.
لن أتعمق بالكلام ان كان هناك أساس قانوني للتصريح في جعل التطعيم إلزاميا سواء للعاملين في مجال الرعاية الصحية أو للناس بشكل عام، فلكل دولة قناعاتها وقوانينها المنظمة لذلك.
لكن أريد أن أبين أنه في المجال الصحي الحقوق والحريات الفردية أغلى من أن يتم التعدي عليها دون تفسير وتبرير.
يجب تحقيق التوازن بين التعدي على حريات الناس في اتخاذ القرارات الخاصة بهم وفي حماية صحتهم.
في رأيي لا ينبغي أن ننسى أن الحرية للأفراد في اتخاذ القرار الخاص بهم في القطاع الصحي هي القاعدة وتقييد الحرية استثناء، حتى في حالة الطوارئ هناك أمور منظمة لذلك.
الكثير من الإجراءات التي اتخذت من قبل الدول في ظل هذه الجائحة منحت في ظل ظروف معينة، بسبب حالة الطوارئ الصحية. نعم، إن وجود حالة الطوارئ الصحية لها تأثير على تقييد الحقوق الفردية والحريات العامة، ولا أحد ينكر ذلك.
بالمقابل على الرغم من أن هذه الحقوق والحريات مكفولة للأفراد، إلا أنها لا يمكن أن تكون مطلقة أبدا. من الضروري دائما موازنة ذلك مع الحقوق والحريات الأخرى، ومع حماية النظام العام أو المصلحة العامة.
يجب ألا ننسى أن بعض القرارات الفردية للأشخاص قد يتعدى ضررها على الآخرين (على سبيل المثال، نأخذ منع المدخنين من التدخين في المجمعات بسبب تعدي ضرر التدخين على الآخرين) وخاصة في ظل هذه الجائحة. يجب أن يكون كل تدبير طارئ، مهما كان ضروريا، مناسبا مع الهدف المنشود، أي حماية صحة الناس.
من متابعتي لسياسات الدول، فهي متوجهة بفرض التطعيم بالطرق المباشرة أو غير المباشرة. يتم ذلك بفرض قيود في حال عدم الامتثال، ولا يعني ذلك بالضرورة جعل التطعيم إجباريا بقوة القانون.
ففي حين أن التطعيم ليس الزاميا على عامة السكان، في كثير من الدول يسمح فقط للأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة أو جرعتين من لقاح سارس كوفيد2 بالدخول إلى مراكز التسوق والمطاعم والمقاهي والصالات الرياضية. بالإضافة إلى ذلك، ستقيد بعض الدول السفر وتجعله فقط لأولئك الذين تم تطعيمهم.
مع ارتفاع حالات سارس كوفيد2 مرة أخرى والحرص على تسريع عملية التطعيم، يبدو أن الدول الأوروبية منقسمة بشأن مسألة التطعيم الإلزامي.
دفع معدلات التطعيم المنخفضة بعض الحكومات إلى جعل اللقاحات ضد سارس كوفيد2 إلزامية للعاملين في القطاع الصحي وغيرهم من الفئات المعرضة للخطر.
بل إن بعض القادة يفكرون في جعل اللقاحات إلزامية للجميع. كانت إيطاليا أول دولة في أوروبا تطلب تطعيم العاملين الصحيين فيها، من خلال مرسوم صدر في مارس.
أولئك الذين يرفضون يواجهون الإيقاف بدون أجر لبقية العام. وتفكر دول أخرى في إجراءات مماثلة، بما في ذلك بولندا التي قد تجعل التطعيم إلزاميا للسكان المعرضين لخطر كبير اعتبارا من أغسطس.
فرضت فرنسا واليونان على جميع العاملين الصحيين تلقي لقاحات فيروس سارس كوفيد2. قام كلا البلدين أيضا بتقييد العديد من الأنشطة اليومية لغير المطعمين.
ألمح ماكرون إلى أن حكومته تدرس حتى جعل التطعيم الإلزامي لجميع الفرنسيين. في المقابل اتخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الموقف المعاكس تماما.
وقالت «لا أعتقد أننا سنكتسب الثقة من خلال تغيير ما قلناه، أي عدم إدخال التطعيم كإجراء إلزامي، لكنني أعتقد أنه يمكننا كسب الثقة من خلال الترويج للتطعيم».
في روسيا، أمرت موسكو المقاهي والمطاعم السماح بالدخول فقط للعملاء الذين لديهم دليل على التطعيم أو مناعة أو اختبار سلبي.
في بريطانيا، العاملون في مجال الرعاية المنزلية ملزمون بالتطعيم ابتداء من أكتوبر، وكذلك ستطلب الكثير من الأماكن التي بها حشود كبيرة تقديم دليل على التطعيم الكامل اعتبارا من نهاية سبتمبر. هذه لمحة سريعة لسياسة التطعيم لبعض الدول وهي متغيرة بشكل مستمر.
يجب دائما مراعاة التطور العلمي، البيانات الطبية والوبائية، لتعديل الأحكام المتعلقة بسياسة التطعيم من أجل حماية الصحة الفردية والجماعية.
إذا كان من الممكن تحقيق أهداف الصحة العامة وحماية المجتمع من خطر هذا الوباء (على سبيل المثال من خلال، المناعة المجتمعية، وحماية الفئات الأكثر ضعفا، وحماية قدرة نظام الرعاية الصحية) بتدخلات سياسية أقل إلزامية أو تداخلية (على سبيل المثال، التثقيف العام)، فإن الدول ممكن أن تتفادى التطعيم الإجباري.