المريض هو الأساس في القطاع الطبي، فعندما يعاني من مشكلة صحية يتوجه إلى الطبيب للحصول على العلاج، ولكن من دون التشخيص لا نستطيع معرفة العلاج الصحيح. ولكل مرض علامات وأعراض يجتهد الطبيب لمعرفتها للوصول إلى التشخيص. كذلك النظام الإداري قد يعاني من الأمراض ويصل إلى مرحلة التخلف. ومحاولة معرفة هذه العلامات والأعراض أمر مهم حتى يتم التشخيص والعلاج. فما مظاهر التخلف الإداري؟
من مظاهر التخلف الإداري الروتين الطويل، وتضخم الجهاز الإداري والوظيفي، وانتشار البطالة المقنعة، وكثرة الإدارات والمؤسسات والهيئات، دون إنتاجية واضحة وملموسة. كذلك عدم وجود أهداف وخطط مستقبلية، والتمسك بحرفية القوانين بدلا من الحرص على الغاية، مع تفشي البيروقراطية، والإجراءات الروتينية، وكثرة النصوص التقييدية، وقلة المساحة للجهود الإبداعية، والاهتمام بالشكليات على حساب الأمور الجوهرية. كذلك الجمود وعدم التكيف مع المتغيرات العالمية، وضعف الربط والتواصل بين الجهات المؤسسية، وعدم استغلال الحلول التكنولوجية.
على مستوى القيادة تجد مركزية السلطة، وانتشار المحاباة والواسطة والمحسوبية، وضعف نظام المتابعة والمساءلة القانونية، والمجاملات والرشوة واستغلال الوظيفة في تحقيق مصالح شخصية. كذلك عدم الاستقرار في المناصب الإدارية، والتغيير المستمر وغالبا لأسباب سياسية، وعدم الاختيار على مبدئ الكفاءة الإدارية والأمانة العملية. إذا كان المسؤول المعين تحت رعاية مجموعة ذات مصالح خاصة، فمن باعتقادكم سيمثلون في تلك المؤسسات؟ الأمر ليس معقدا والنتيجة واضحة!
أما على مستوى الموظفين، فتجد في المؤسسات التي تعاني من التخلف الإداري الإهمال واللامبالاة، وضعف الخلق الإداري، والإنتاجية والكفاءة العملية، وغياب الرقابة والمحاسبة الذاتية، وعدم توافر الأمانة في الأعمال الإدارية، وتفشي الإحباط، وقلة المبادرات التطويرية.
من الناحية المالية تجد الإسراف وارتفاع التكلفة الاقتصادية، للخدمات المقدمة من المؤسسات الرسمية، مع إضافة طابع السرية، على الأعمال الإدارية، وعدم وجود الشفافية. كذلك تجد في المؤسسات التي تعاني من التخلف الإداري كثرة اللجان الشكلية، والهدر في الأموال والأوقات والموارد البشرية، على الرغم من كثرة الأجهزة الرقابية. بل لا يعلم الكثيرون أن كثرة الأجهزة الرقابية، دليل على الفشل في الأمور الإدارية. للأسف أستطيع أن أقول إن في بلدي العزيز تزيد الكلفة وتقل الجودة، على الرغم من وجود مجلس الأمة، وديوان المحاسبة، والجهاز المركزي للمناقصات العامة، والهيئة العامة لمكافحة الفساد، ونزاهة، وجهاز متابعة الأداء الحكومي، والقائمة تطول!
هذا غيض من فيض من مظاهر التخلف الإداري. فنحن نعاني من تدهور الثقافة والفلسفة الإدارية، وإذ أردنا التطوير والتنمية، فلا طريق لذلك غير علاج مظاهر التخلف الإدارية، المنتشرة في مؤسساتنا المحلية.