نعم تقريبا مليار دولار (300 مليون دينار) هدر في المنظومة الصحية، وعلى الرغم من ضخامة المبلغ فقد يمر هذا الموضوع مرور الكرام، لأن هذا الهدر من النوع غير المباشر (Indirect-waste) ومن الهدر الخفي (Hidden-waste). قد يقول القائل إن هناك هدرا مباشرا وغير خفيّ ولا أحد يحرك ساكنا. ولكن من واجبنا التوعية، لعلنا نجد آذانا مصغية.
الموضوع هو نزوح كثير من الأطباء أصحاب التخصصات الإكلينيكية إلى الوظائف الإدارية، وهو ضياع لخبرات إكلينيكية وعبث إداري وهدر مالي!
يجب أن نعلم أن الإدارة الصحية تخصص بذاته. أنا هنا لا أتكلم فقط عن النزوح الى المناصب الإدارية من وكلاء، ومدريري إدارات، ومديري مستشفيات، وغيرها من مناصب، بل عن الوظائف الإدارية بشكل عام، لأن الهدر في المناصب قد يكون مضاعفا.
أيها القارئ الكريم هل تعلم مدى حجم الهدر بهذه الممارسة؟
على حسب تصريح د.عادل خضر العميد السابق لكلية الطب لجريدة الراي، ذكر أن كلفة طالب الطب تتجاوز 100 ألف دينار سنويا، أي في 7 سنوات 700 ألف دينار (وهذا الرقم بذاته يبعث علامات الاستغراب- ولكنه ليس موضوع مقالنا). فالدولة تصرف تقريبا مليون دينار يقل أو يزيد لتوفير طبيب متخصص إذا أضفنا سنوات التخصص والتي بالمعدل 5 سنوات، فالطبيب المتخصص يحتاج 12 سنة من التعليم والتدريب. وهذا الطبيب المتدرب في أحسن الجامعات والمؤسسات الصحية عملة نادرة وصعب تعويضه وخاصة أننا بالوضع الحالي ودون الاعتبار لنزوح الأطباء إلى وظائف إدارية نعاني من نقص ولم نصل لمرحلة الاكتفاء بكثير من التخصصات الطبية، ولكن هذا الأمر سيزيد الطين بلة.
لا أملك الإحصائية الدقيقة للأطباء أصحاب التخصصات الإكلينيكية والذين يعملون في الوظائف الإدارية، ولكن أجزم من خلال خبرتي المتواضعة أنهم لا يقلون عن 300 طبيب وقد يتعدون ذلك، وهذا الرقم يعني أن الهدر يصل إلى 300 مليون دينار!
المشكلة لا تكمن فقط في الهدر المادي، ولكن الهدر في الخبرات التي يملكونها والتي لا تعوض. الطامة الكبرى أن بعض الأطباء المتجهين الى الوظائف الإدارية ليسوا مؤهلين لا علميا ولا إداريا ولا يملكون الخبرة العملية في الوظيفة الإدارية.
أنا هنا لا ألقي بالملامة على زملائي الأطباء أصحاب الوظائف الإدارية، فأنا أول من يدافع عنهم، فالكثير منهم يعاني من جمود القوانين التنظيمية، وعدم توافر المرونة في كثير من التشريعات الحالية، وقوانين الخدمة المدنية، التي عفا عليها الزمن وتحتاج لتطوير والتي تؤثر على قراراتهم الوظيفية، ولكن ألوم المسؤولين في الحكومات المتعاقبة الذين لا يحركون ساكنا لعلاج هذه المشكلة والكثير من المشاكل الأخرى المتراكمة.
Dr_hisham81@