لا أعلم لِمَ تخلق الحكومة لنفسها المشاكل، عن طريق بعض قراراتها العشوائية، والتي من الواضح أنها لم تدرس تأثيراتها الجانبية، وإن درست فليس بطريقة علمية، أو أنها قرارات بنيت على ردود أفعال لحظية، وليست على مرئيات مستقبلية، وخطط استراتيجية، فهي لا تعالج الجذور، بل القشور، والدليل على ذلك تراجع الحكومة عن الكثير من تلك النوعية، من القرارات اليومية، أو في بعض الحالات تغييرها بناء على ردود الأفعال وليس من أجل تطوير القرار.
فبالأمس القريب كان الحديث عن الإقامة لمن بلغ الستين، وقبلها مكافأة الصفوف الأولى حيث أصبح التحدث بها مسلسلا مملا، وقديما مشروع البديل الاستراتيجي الذي لم ير النور، وحاليا وليس آخرا البصمة الثالثة «بمنتصف الدوام» لحل مشكلة من يبصم عند بداية ونهاية الدوام، دون الحضور فعليا، وغيرها الكثير الذي لا يتسع لها المقال.
هل بنظام البصمة تم حل مقولة راجعنا بعد أسبوع في كثير من الوزارات. وهل بنظام البصمة تم حل تواجد بعض الموظفين في تجمعات أشبه بـ «شاي ضحى» في لوبي الوزارات أو في الكافيهات، وغيرهم منشغلون بهواتفهم وتصوير السنابات، وآخرون منهمكون بالفطور غير مهتمين بطوابير المرجعين والمراجعات، وبعضهم قد يتواجدون لمدة 8 ساعات، ولكن يقضونها في النقاشات والمحادثات.
انه سؤال للجميع وخصوصا المسؤولين، بعد التطبيق الفعلي لنظام البصمة على مدى أكثر من 10 سنوات، هل للبصمة دور في تسيير عجلة الإنجاز والتنمية؟ وهل كلما زادت نسبة الالتزام بها ارتفعت معدلات الإنتاجية؟ هذا إن كانت هناك مؤشرات كمية وكيفية لقياس الإنتاجية.
إن كان الجواب لا، فلماذا التركيز على نظام البصمة وكأنها غاية وليست فقط وسيلة لضبط الحضور في العمل؟.
أليس من الأولى إيجاد آلية تربط المكافآت بالإنجاز لا بالحضور والانصراف؟. أليس من الأولى حل مشكلة الترهل الإداري والبطالة المقنعة؟.
أليس من الأولى القضاء على الواسطة في التعيينات، وتوفير آلية مناسبة للإنجاز للعاملين في مختلف القطاعات، وتوفير تكافؤ الفرص لتروا الإبداعات؟.
أليس من الأولى التوظيف على أساس التخصصات، ومكافأة المجتهد ومعاقبة المهمل فهذا الأمر بالذات، كفيل بحل الكثير من المشكلات؟.
نعم «من أمن العقوبة أساء الأدب»، عندما يكافأ المخالف والفاسد ويوسد الأمر له، ويعمل على هواه، فلا قانون يوقفه أو مسؤول يحاسبه، فالنتيجة واضحة!
لا يفهم من كلامي أني ضد الانضباط بالعمل، بل من يتساهل في هذا الموضوع فليراجع نفسه، ولا ينتظر البصمة لضبطه، بل يجب أن يخاف من غضب ربه، فكيف يرضى أن يأكل هو وأبناؤه من غير كد وعمل.
لكن رسالتي هي أن التركيز يجب ألا يكون فقط بتثبيت حضور الموظفين، بل أن تكون النظرة أكثر شمولية، وليست سطحية. والله إن توافرت البيئة المناسبة للإنجاز ووسد الأمر لأهله فستجد الموظف ينجز حتى في عدم وجود بصمة واحدة.