الإرهاق في العمل أو الاحتراق الوظيفي بسبب العمل المتواصل وتحت ضغوط عالية وبجو من القلق والتعب الجسدي والنفسي والعاطفي أمر يجب ألا يهمل، سواء من المؤسسات، أو من الأفراد أنفسهم.
زاد هذا الأمر وخاصة في زمن جائحة كورونا في قطاعات مختلفة ومنها القطاع الطبي، فحق أن نسمي هذه الفترة بجائحة الإرهاق في العمل. أوجه كلامي للعاملين بالقطاع الطبي وسأستخدم الطبيب كمثال في الخطاب.
كن طبيبا بحياة متوازنة ومنتجة وسعيدة، واعلم أن الإجهاد متأصل في الطب، بل اعلم أن الأطباء ليسوا محصنين ضد الإجهاد وعواقبه، فاحذر من أعراض الاحتراق الوظيفي، ولا تنتظر من الآخرين العلاج.
عند شعورك بالإرهاق الجسدي، والتعب النفسي، والإنهاك الفكري، والصداع المتكرر، والنظرة التشاؤمية، وقلة الحافز والطموح، وانخفاض الإنجاز، واهتزاز الثقة بالنفس، وعدم الرضا، بما قد مضى، ولا تعمل بالمقتضى، بسبب ما ترى، وأيضا كثيرا من أعمالك تذهب سدى، فيتردى عندك الرضا، بسبب ما تتعرض له من أذى، على المستوى الجسدي والنفسي والفكري والعاطفي وقد يختلف المدى من شخص لآخر على حسب ما جنى، ففي بعض الظروف تجد من بكى، والغير قال للعمل كفى، وللخروج من العمل سعى، لعل وعسى يعالج آثار الاحتراق الوظيفي الذي منه دنا، لكي يقنع نفسه أنه منه نجا، لذلك يجب أن تكون لك وقفة جادة للتعامل مع هذا الوضع وما جرى.
في كثير من الأحيان يكون الاحتراق الوظيفي ليس بسبب الموظف، ولكن بسبب المؤسسة التي يعمل بها الموظف.
فعلى المؤسسة والقائمين عليها دور كبير، بتوفير بيئة صحية للعمل وللإنجاز، بيئة جذابة ومحفزة، بيئة تتوافر بها العدالة، ووضوح المسؤوليات، التي تتناسب مع الأوقات والقدرات، مع خلق شبكة تواصل لكل الجهات، وعلى جميع المستويات، لاكتشاف المشكلات، وحل المعوقات، وفي حال الاجتهاد من العملين يجب عليها أن تقدر الإنجازات، ويكون التقييم على أساس المهمات، الموكلة للأفراد والمؤسسات، لا على المعارف والمحسوبيات.
هناك من يقول إن الجائحة كانت فرصة للبعض للتهرب من الأعمال، وأنا هنا لا أتكلم عن هؤلاء. أنا أتكلم عن المتفوقين والمجتهدين والمخلصين وهم أكثر عرضة للاحتراق الوظيفي، ونصيحة لهم، لا تبالغ بالانغماس بالعمل على حساب حياتك اليومية ولا تعش مشاكلها وضغوطها بشكل زائد، ولكن وازن بين الأمور.
الموضوع خطير، والمشكلة أن موضوع الاحتراق الوظيفي مهمل، ولا يتم تسليط الضوء عليه بشكل كاف، ولأهميته تم تضمينه في المراجعة الحادية عشرة للتصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) من قبل منظمة الصحة العالمية، كظاهرة مهنية، بل له آثار صحية واجتماعية وتكاليف مالية.
في أميركا يتسبب هذا الأمر بوفاة 120 ألف سنويا ويصرف بسببه مليارات الدولارات، وعالميا أكثر من 600 مليون حالة اكتئاب وقلق، غير حالات الانتحار، والله المستعان.