«الناس لا يتغيرون، هم فقط يظهرون على حقيقتهم، وهم آملون من هذا القرار أن يحصلوا على ما يطمحون إليه، فقط أعطهم الدافع والتوقيت والثمن لكي لما بداخلهم يستخرجون». هذه المقولة صحيحة وفي الوقت نفسه غير صحيحة.
غير صحيحة لأن الكل ممكن أن يتغير وهذا لا شك فيه، فهناك قاعدة ربانية تقول (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) «الرعد - 11».
إذن المقولة الصحيحة هي أن بعض سلوك الناس قد يكون ليس في خانة التغيير، لكنه سلوك يخفيه الشخص عن المحيط لهدف ما سواء كان حسنا أو سيئا، لذلك البعض عند ظروف ودوافع وأثمان معينة يظهرون ما يبطنون، ففي هذه الحال يظن البعض أن هؤلاء الأشخاص قد تغيروا، وهم في الحقيقة لم يتغيروا، لكن أظهروا ما يبطنون.
في المقابل وطبيعة الحال، وللظاهر للإنسان أنهم تغيروا سواء كانوا في خانة من كانوا يخفون ما يبطنون، أو انهم بالفعل تغيروا، فبالمحصلة الظاهر للناس التغيير. ما الفائدة من معرفة ذلك؟
هناك قدرات عند الجميع كامنة، لكن لم تجد البيئة التي تستخرجها، فإن كان لنا بعد نظر وحصافة عرفنا كيف نستخرج هذا الإمكانات والقدرات.
كذلك معرفتك للبعض من الناس الذين يظهرون عكس ما يبطنون ميزة، فأنت لا تعطيهم المجال أن لشخصك يستغلون، أو لعقلك يستغفلون، أو لمجهوداتك وأعمالك يتلاعبون.
في الإسلام تعتبر صفة إظهار عكس ما تبطن هي من صفات المنافقين، وعادة يرتبط معها الكذب، وقد قال فيهم الله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) «البقرة - 9». ومما يؤدي إلى النفاق حب الشهوات واتباع أهواء النفس، والتعلق بالدنيا، والخوف على الحياة، والمكانة الاجتماعية.
للأسف الكثير من الناس قد يتعرض للخداع بسب جهله بالناس، والقليل من الناس من يتصف ويتميز بالفراسة والذكاء وسرعة البديهة، فالفراسة هي القدرة على معرفة بعض الأحوال الباطنة ببعض العلامات الظاهرة.
يجب أن نعلم أن الشعور القلبي أهم من الشعور بالعين، لذلك يقول الله تعالى: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) «الحج - 46».
أما الذين يرون بها فهم أهل البصيرة والتفرس والحدس، من يتصفون بالملكة والفطنة والتأمل، وكلما صفت الروح ورقت كلما كثرت فراستها وصدقت، كما قال تعالى: (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) «الحجر - 75»، أي المتفكرين الناظرين المعتبرين. إن الرؤية القلبية هي شعور الإنسان بقلبه وبصيرته بأمر ما عن طريق التفرس والتفكر في الأشياء.
وقد جاء في الأثر: اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله، وقال تعالى: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم) «محمد - 30»، وأختم بقول ابن القيم رحمه الله: «الفراسة الإيمانية سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والحالي والعاطل والصادق والكاذب».