الرشوة الحديثة، نعم الرشوة الحديثة، لأن أساليبها تغيرت، وطرقها تنوعت، بل تمت شرعنتها عند البعض، فأصبحت لا تستنكر، بل البعض يعتبرها شطارة، ومساعدة، ومصلحة مقبولة.
فلنعلم أن تغيير الأسماء لن يغير حقيقة المسمى، ولن يجعل الحق باطلا ولا الباطل حقا، ولا الحلال حراما ولا الحرام حلالا، إنما هي مصائد نصبها شياطين الإنس والجن، فلنحذرها.
قد يظن البعض أن الرشوة تقصر على الأموال، لكنها في هذا الزمان تعدت ذلك، فنرى تعيين الأقارب والمعارف في أماكن لا يستحقونها ليس بسبب كفاءتهم، لكن مقابل مواقف ومصالح معينة.
نرى في الأمس القريب وباعتراف كثير من السياسيين وبعض من تقلدوا المسؤولية استخدام ملف العلاج بالخارج للترضيات السياسية والمساومات المصلحية.
رأينا في زماننا هذا من يستثنى بالترقيات والتوظيف والمنح والقبول في أجهزة الدولة وغيرها، وكل هذا في بعض الأحيان يكون بمقابل ليس شرطا أن يكون ماديا، ولكن منافع أخرى، وإن سألت أصحاب الشأن يقولون لك إنها مناورات سياسية.
رأينا العطايا والمنح من الرخص التجارية والمزارع والجواخير (حظائر الحيوانات) وغيرها وفي بعض الأحيان دون تساو في الفرص. رأينا الرواتب الاستثنائية والمكافآت الفلكية، ورأينا وسنرى غيرها من صور الرشوة الحديثة.
ما تأخذه بغير حق لن يدوم، ولن يبارك فيه، فلتحذر كل الحذر.
كما رأينا أن للرشوة صورا متعددة ليست محصورة في الأموال، فأهل الفساد والباطل يتفننون بنشر فسادهم وباطلهم، فأقول لهم، هل تظنون أنكم بأموالكم تستطيعون أن تشتروا الجميع وتفعلوا ما تريدون؟ مازال هناك شرفاء، لا تغريهم أموالكم، أصحاب عزة نفس وضمير حي وأمانة، هؤلاء هم من بأعيننا يستحقون الاحترام والإجلال.
وأنتم أيها الدفيعة بالطرق الحديثة على حساب ظلم الآخرين، إلى مزبلة التاريخ، لا احترام لكم.
وأما ندائي لمن يأخذ ويقبل بأمور لا يستحقها ويستسهل ذلك مقابل منافع أخرى، اتق الله، فوالله إنها أموال سحت، لا بركة فيها، ولا تغني ولا تسمن من جوع، ففوائدها زائلة، وسيتبعك بعد ذلك الذل والعار، فلا تصبح فريسة لهؤلاء، ولا تبع دينك بعرض قليل.
وأختم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، عن ثوبان قال «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش، يعني الذي يمشي بينهما» (رواه أحمد)، فالعياذ بالله، الراشي والمرتشي ملعونان بنص الحديث.
اللهم اعصمنا من شر الفتن، ومن الرشوة، وعافنا من جميع المحن، وأصلح منا ما ظهر وما بطن، ونق قلوبنا من الحقد والحسد.