الأخطاء الطبية موجودة في أفضل الأنظمة الصحية، وهذه حقيقة غير قابلة للجدل. الأنظمة التي تتميز بمعدل شفافية عال أنجح في مواجهة هذا الملف من الأنظمة التي تقوم على التغطية وعدم الشفافية.
وللأخطاء الطبية أسباب كثيرة، وغالبا ما تكون متعلقة بالنظام وليس الأشخاص. ولحدوث الأخطاء الطبية، كما وصف ذلك عالم النفس د.جيمس ريسون، فإن الطبقات الدفاعية التي توفرها الأنظمة الصحية لتقديم خدمة صحية آمنة تشبه طبقات الجبن السويسري، فلا يؤدي وجود ثقوب في «شريحة» واحدة إلى تلفها، أما عندما تصطف الثقوب في طبقات الحماية المتعددة بشكل متواز فيمكن أن يلحق الضرر بمتلقي الخدمات الصحية.
يمكن أن يكون لتجزئة النظام، والافتقار إلى الوضوح، والأنشطة غير الضرورية، والمسؤوليات المضطربة، والتأخر في الرعاية الصحية، وتعقيدات وتداخل الخدمات المختلفة في أماكن الرعاية الصحية، يمكن أن يكون لكل ذلك دور في توفير الأرضية الخصبة لحدوث الأخطاء الطبية والتي يمكن أن تهدد سلامة المريض وجودة الخدمات.
وعلى سبيل المثال، بسبب الخلط الذي يحدث لتشابه العبوات، قد يتلقى المريض في المستشفى دواء خاطئا. وعند تتبع عملية وصول الدواء الخطأ للمريض من دون ذكر الخطوات التفصيلية سنجد أن الوصفة تبدأ من طبيب الجناح، ثم إلى الصيدلية للتوزيع، وأخيرا إلى الممرضة التي تقدم الدواء للمريض. كان من الممكن تحديد هذا الخطأ وتصحيحه بسرعة لو كانت هناك إستراتيجيات مطبقة لضمان مأمونية الإجراءات على المستويات المختلفة.
عند نظرنا في الأسباب المتجذرة بالنظام نرى أنه قد يكون الافتقار إلى الإجراءات الصحيحة لتخزين الأدوية التي تبدو متشابهة، وضعف الاتصال بين مختلف مقدمي الخدمة، وعدم التحقق قبل إعطاء الدواء، وعدم مشاركة المرضى في رعايتهم الخاصة، هي من أهم العوامل التي أدت إلى حدوث هذا الخطأ.
في هذا المثال بعض أصحاب القرار يقعون بخطأ تقليدي وهو تحميل ولوم الفرد الذي ارتكب الخطأ «الخطأ المباشر»، والذي أدى الى وقوع مثل هذا الحادث، وقد يعاقب أيضا نتيجة لذلك. ولسوء الحظ، لا يؤخذ بعين الاعتبار العوامل المتجذرة في النظام، التي سبق وصفها بـ«الأخطاء الكامنة».
وللأسف في حال معاقبة الشخص الذي ارتكب الخطأ لن تحل المشكلة وسيتكرر الخطأ مع شخص آخر لأننا ببساطة ركزنا على النتيجة النهائية وأهملنا العوامل والفجوات المتجذرة بالنظام، والتي تسهم في حدوث الأخطاء.
وبالإضافة إلى الأخطاء الدوائية، من الممارسات الصحية التي تؤدي إلى ضرر العدوى المرتبطة بالرعاية الصحية إجراءات الرعاية الجراحية غير الآمنة، ممارسات الحقن غير الآمنة، أخطاء التشخيص، نقل الدم غير الآمن، التعرض المفرط للإشعاع، حالات تحديد المريض الخطأ والموقع الخطأ، والجلطات الدموية وغيرها.
من هنا تكمن أهمية الفهم السليم لعملية حدوث الخطأ الطبي، وذلك لوضع الحلول الجذرية والانتقال من ثقافة لوم مرتكب الخطأ ومعاقبته، إلى ثقافة خلق نظام أكثر أمانا يمنع حدوث الخطأ، وتتوافر فيه استجابات سريعة لأي خطأ على وشك الوقوع.