موضوع الإصلاح الصحي يتم التطرق له بين الفينة والأخرى، والكل يدلي بدلوه سواء من السياسيين أو الاقتصاديين أو الباحثين أو العاملين في المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة، وكذلك المواطنون والمقيمون والمجتمع بشكل عام. ولكن أقل الأشخاص في مجتمعاتنا الذين يستمع لصوتهم وآرائهم للأسف هم المتخصصون (الكفاءات المحلية) رغم ندرتهم، لذلك نرى الكثير من الخطوات العملية التي تصنف كخطوات إصلاحية لا تصب في تطوير الخدمات الصحية.
من هذا المنطلق أضرب مثالا واحدا يسهم في عملية الإصلاحات الصحية (وهي كثيرة ويفضل وضعها بصورة شمولية) وتوفير خدمات طبية بنتائج وجودة أفضل، وهذا المثال هو دمج المستشفيات العامة مع المستشفيات التخصصية، ووجودها بمنظومة تكاملية، وذلك يقلل من التكاليف الإدارية، والتكلفة التشغيلية، ويوسع تقديم الخدمات التخصصية، ويسهل الإجراءات اليومية، ويرفع الكفاءة حتى من دون الحاجة للتوسع بالطاقة السريرية، والأهم من كل ذلك يسهم في توفير رعاية صحية متكاملة وخاصة لكبار السن وممن يعانون من أمراض صحية متعددة.
فقط لتوضيح كيف يسهم دمج المستشفيات العامة مع المستشفيات التخصصية في رفع كفاءة الخدمات الطبية، أضرب مثالا واحدا للقارئ الكريم. في البداية مقدمة بسيطة عن تكوين المنظومة الصحية في كثير من الدول العربية، وكمثال الكويت يتم تنفيذ جميع الأنشطة الصحية وخاصة الطبية وتنسيقها مع خلال المناطق الصحية الست التي تمثل محافظات الكويت. وتتكون كل منطقة صحية من عدة مراكز للرعاية الصحية الأولية ومستشفى عام واحد (رعاية ثانوية)، أما المراكز التخصصية (رعاية ثالثة) عادة تكون منفصلة جغرافيا وموجودة في منطقة واحدة كجراحة الأعصاب أو علاج السرطان وغيرها.
المثال الذي سأستخدمه هو مستشفى الرازي (وهو مستشفى عظام تخصصي بسعة تتعدى 300 سرير)، يقدم خدماته لجميع فئات المجتمع ومنهم كبار السن وهم معرضون للكسور أكثر من غيرهم بسبب زيادة احتمالية السقوط وهشاشة العظام وغيرها من أسباب. عند دخول المريض كبير السن للقيام بأي إجراء جراحي يجب أن نعلم أن عادة المرضى كبار السن يعانون من أمراض متعددة مزمنة، بالإضافة إلى المشكلة الطارئة التي تسببت بدخولهم مستشفى الرازي. لذلك وجود تخصص العظام في مستشفى عام بشكل متكامل أفضل، وذلك للقدرة على توفير الخدمات الصحية للمرضى في باقي التخصصات الطبية بشكل مترابط وسلس ومتكامل. أما المراكز التخصصية فيوصى باستخدامها للحالات الدقيقة والتخصصية والتي يجب أن تطبق عليها سياسات وبروتوكولات علاجية محكمة لحالات مختارة بناء على معايير معينة تضمن سلامة المريض. كذلك تستخدم المراكز التخصصية في الدراسات البحثية والتي تسهم في تطور الخدمات الصحية.
من هذا المنطلق أوصي المؤسسات الصحية بالتوسع في دمج الخدمات الثانوية والتخصصية بمكان واحد لتوفير رعاية طبية وصحية متكاملة وضمان جودة عالية، وبالمحصلة الحرص على بناء نظام ذي حوكمة منضبطة وبشكل مستدام قائم على القيمة.