قبل عهد كورونا وفي أحد مراكز التسوق وقف وافد في صف الانتظار ليدفع ثمن ما يريد أن يشتريه، ففوجئ بمواطن يتخطاه لأنه غريب ويجب أن يتنازل عن حقه ليكون أديبا، لكن هذا الوافد لم يسكت وطالب بحقه المسلوب (دوره).
المواطن لم يغضب ويزمجر ويزبد ويرعد ويقيم الدنيا ويقعدها ليطالب بتخطي الدور لأنه في بلده وله الأولوية في كل شيء على الوافدين المتطفلين، الذين خربوا البلد وبنيتها التحتية، وينافسوننا في الوظائف، ويزاحموننا في الشوارع، ويحتلون شواطئنا، ويسرقون أدويتنا، إلى آخره من الاتهامات المعلبة التي تتردد على مسامعنا ليل نهار.
ولكن ما حدث هو أن المواطن أذعن بكل أدب وهدوء وسكينة ووقار وتراجع إلى آخر الطابور كما كان يفترض أن يكون، ووقف خلف الوافد بمسافة معقولة لكي لا يضايقه، بل اعتذر مع ابتسامة على تصرفه غير اللطيف.
هل تصدقون ذلك؟! كم أنت كبير أيها المواطن، وبارك الله فيك وجعلك رمزا للتسامح والتعاون والخلق القويم!
هذا الموقف حدث فعلا بين المواطن والوافد، الوافد الذي كان من أصحاب الشعر الأشقر المشرق، والعيون الملونة اللافتة، والبشرة البيضاء الثلجية، وهي الملامح التي يبدو أن المواطن لم يلحظها جيدا قبل أن يقوم بتصرفه.
طيب.. كيف سيكون الحال لو كان الوافد من الآسيويين أو العرب، فهل سيتصرف المواطن بالأسلوب نفسه ويقدم اعتذاره المهذب إلى الوافد في إعادة لذلك الموقف؟!
طبعا تعلمون ما هي الإجابة!
الحقيقة هي أن استخدام العنصرية كذريعة لقلة الأدب وكسر قواعد الأخلاق وإساءة السلوك والتعدي على الآخرين هو فعل خسيس وبذيء.
والموقف السخيف الذي تعرض له المواطن لم يكن وليد اللحظة بل هو نتاج السنوات الأخيرة التي صرنا فيها نرى ونسمع موجات موجهة لإحياء العنصرية ضد كل شيء حولنا عبر منصات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
واستمرت تلك الأصوات تبث عنصريتها وفئويتها من دون أن يوقفها أحد أو يرد عليها أحد، حتى تشبعت بها النفوس وثقلت بها الصدور واعتادت عليها الآذان، حتى بدأنا نألف خطاب العنصرية والكراهية في حواراتنا اليومية إلى درجة التعود عليها ليكون أمرا غير مستهجن وغير مذموم أو مرفوض، وهو ما يؤدي إلى التمادي، وينعكس سلبا شيئا فشيئا، وصولا إلى كسر القواعد الأخلاقية والقوانين بسبب العنصرية التي ترفضها الأخلاق وديننا والمواثيق الدولية التي نطالب الآخرين باحترامها ونحن أول من يخالفها، كما هو حال المواطن بمركز التسوق!
كان منظر المواطن وهو يتخطى الآخرين سيئا للغاية، لكنه صار أسوأ عندما تراجع وهو صاغر بعد أن سمع كلمات واعتراضات الوافد الغربي، والأسوأ من ذلك كله هو عندما نرى مثل هذه المواقف مع وافدين آسيويين وعرب ونسكت على إهانتهم ونتعامل بلامبالاة!