يروى أن الأصمعي كان يتحدث في مجلس، واستشهد بالآية: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم).
فسأله أعرابي: كلام من هذا؟
فرد الأصمعي: هذا كلام الله.
فقال الاعرابي بثقة: هذا ليس كلام الله.
فاستغرب الأصمعي والحضور من إنكار الإعرابي آية من كتاب الله، فسأله: هل أنت من حفظة القرآن؟
قال الأعرابي: لا.
قال الأصمعي: هل تحفظ سورة المائدة؟ (التي بها هذه الآية).
قال الأعرابي: لا.
فتناول الأصمعي المصحف وفتح سورة المائدة وهو يقول بثقة: هذه هي الآية، اسمع (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) (المائدة: 38).
فتنبه الأصمعي للخطأ، حيث إنه أخطأ في قراءة نهاية الآية بقوله (والله غفور رحيم)، والصحيح هو (والله عزيز حكيم).
فأعجب بنباهة الأعرابي الذي فطن إلى الخطأ رغم أنه ليس من حفظة القرآن، فسأله: يا أعرابي.. كيف عرفت؟
قال الأعرابي: عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع. انتهى.
أذكر هذه القصة ونحن مقبلون على شهر كريم، يكثر فيه الناس من قراءة القرآن الكريم، ويحرصون على زيادة الختمات، ولعلها فرصة للقراءة بشيء من التدبر، ولو لعشر دقائق، أو بضع آيات.
قال ابن مسعود: لا تهذُّوا القرآن كهذِّ الشعر، ولا تنثروه نثرَ الدَّقَل، وقِفُوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن همَّ أحدكم آخر السورة.
والقصد من ذلك، الحث على تدبر القرآن الكريم، وقراءته بتؤدة وتفكر، وعدم قراءته بسرعة زائدة، ولا يكن هم القارئ سوى الانتهاء من السورة، أو قراءة أكبر كم على حساب الكيف، وذلك لكي تتحسن مداركنا، ولنفهم مقاصد الآيات.
وما دمنا في لغة القرآن، فهل سمعتم «واو الثمانية»؟
تأتي «واو الثمانية» بعد ذكر سبعة أشياء مذكورة على نسق واحد من غير عطف، ثم يؤتى بالثامن مقروناً بالواو، ومن أمثلة ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر..) (التوبة: ١١٢)، فقد ذكرت سبعة أوصاف متتالية، ثم ذكر الثامن بالواو.
ومنه قوله تعالى: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا) (التحريم: ٥).
كما اقترنت «واو الثمانية» بكلمة «ثمانية» في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) (الكهف: ٢٢)، فلم يعطف بالواو في «رابعهم» ولا في «سادسهم»، بل عطف بها في «ثامنهم».
ومن ذلك قوله تعالى: (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام) (الحاقة: ٧).
ومن عجائب لغة القرآن ما جاء في بيان دخول الكفار النار: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها) (الزمر: ٧١)، بينما قال تعالى عن دخول المتقين الجنة: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها) (الزمر: ٧٣)، فجاءت الأولى «فتحت أبوابها» ولم تقترن بالواو كون أبواب النار سبعة، أما الثانية جاءت «وفتحت أبوابها» واقترنت بالواو لأن أبواب الجنة ثمانية.
طبعا هذه ليست أحكاما شرعية أو آراء فقهية، بقدر ما هي لطائف لغوية، يستخرجها من تدبر في قراءة القرآن، واستخرج لطائفه.
وأدعو الله أن يشرح صدورنا عند قراءة القرآن، وأن يعيننا على حسن التفكر والتدبر وفهم آياته، وأداء حقه ومستحقه.