سأل أحد كبار السن الإمام بعد ان أنهى درسه اليومي: هل تعتقد أن بيننا مشركا؟ قال: لا. سأله: هل تعرف أحدنا يطوف حول القبور؟ قال: لا. رد عليه: علامك صار لك شهر ما عندك إلا بدع وشرك وقبور وتوحيد وسحر، شايفنا من أهل قريش؟! يا ابني ما هكذا تكون الأمور، نحن موحدون ملتزمون، زباينك لن تجدهم في المساجد، زباينك تجدهم في أماكنهم، فاذهب إليهم وانصحهم.
لا أعلم إن كانت مثل هذه الدروس والخطب موجهة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أم اجتهادا من المشايخ الفضلاء، ولكنها انتشرت كثيرا، واستغرب العديد من المصلين ذلك، في حين يتم التغافل عن أمور أخرى.
باعتقادي أن هذا الأسلوب لن يحقق النتائج المرجوة، والعملية ليست تبرئة ذمة، لأن إقصاء الآخرين رأيا وفكرا ومنهجا، والتوحد على فكر مستورد (معروف) سيقسم المجتمع، وكل فئة تتهم الآخرين بالضلال، سيأتي يوم تنقسم فيه، ويتبادل القسمان الاتهامات، ثم تتشرذم إلى فئات عدة كل يدعي الحق، وتتحول دعوة الخير إلى دعوة بوليسية إقصائية لأجل البقاء، وفي الفم ماء.
ولذلك.. تفوت مناسبات التاريخ الإسلامي، ولا يتم ذكرها لأنها «بدعة»، متناسين الفوائد الإيجابية عند استذكارها، مثل الهجرة النبوية، والمولد النبوي، والفتوحات الإسلامية كفتح القسطنطينية والأقصى.. وغيرها.
عندما تستعرض خطب العلماء السابقين، تجد فيها السماحة والترابط والمحبة والتآلف وتربية الأولاد والسير، وما كانت بداية التعليم النظامي في الكويت وإنشاء أول مدرسة إلا من خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف في ديوانية الشيخ السلفي يوسف بن عيسى القناعي رحمه الله سنة 1328 هـ ـ 1910م، فقال السيد ياسين الطبطبائي: «ليس القصد من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم تلاوة المولد، وإنما القصد الاقتداء بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الجليلة، ولا يمكن الاقتداء به إلا بعد العلم بسيرته، والعلم لا يأتي إلا بفتح المدارس، وانقاذ الأمة من الجهل». فبادر الجميع لإنشاء المدرسة.
كما لاحظت أن معظم الدورات الشرعية التي تنظمها الوزارة باسم الشيخين الجليلين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، ومع كامل التقدير لهما، فالكويت مليئة بعلماء أفاضل خلدهم التاريخ، وقد وثق الشيخ عدنان بن سالم الرومي في كتابه «علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون» أكثر من 70 عالما من علماء الكويت، واستحق عليه جائزة التقدم العلمي، أفلا نطلق أسماءهم على الدورات الشرعية؟!
سأل شباب الشيخ ابن باز في المواريث، فقال لهم: أتسألونني وعندكم شيخ الفرائض محمد بن جراح؟! فما لنا نقلل من شأن علمائنا، ونتعلق بأستار الآخرين؟!
وهل تعلمون أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كويتي؟ نعم.. إنه الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن فيروز، نجدي الأصل، حنبلي المذهب.
وأدعو وزارة التربية لتدريس تاريخ علمائنا الكرام في مناهجها، وأدعوهم لإيداع كتاب «علماء الكويت» في جميع المكتبات المدرسية.
وأخيرا.. تستضيف وزارة الأوقاف بعض المشايخ لتقديم محاضرات مختلفة، يغلب عليهم مدرسة واحدة، وبلد واحد، رغم توافر العديد من العلماء في مختلف البلاد العربية، من عدة مذاهب ومدارس فكرية وفقهية، مثل الشيخ سعيد بن محمد الكملي من المغرب، والشيخ مبروك زيد الخير من الجزائر، وآمل ألا يكون السبب التصنيف المعروف، والتبديع المألوف.
وأعتقد أن من أبرز أسباب الانغلاق الفكري الذي يعيشه بعض الشباب، عدم التنوع في تلقي العلم من مختلف المشارب، وتربية المدرسة الواحدة، وعدم احترام الآخر.
هذه 3 ملاحظات نبهني اليها الكثير، فأردت التنبيه والتوجيه، وأسأل الله التوفيق للجميع، وأشكر م.فريد عمادي على تفاعله مع الملاحظات التي أرسلها إليه.