الأمثال تجسد حياة الشعوب والحضارات على مر العصور، فهي تتضمن الموروث التاريخي، وتعبر عن العمق الفكري والثقافي لكل حضارة، أعظمها الحضارة الاسلامية التليدة، الخارجة عن المألوف بقوتها وتقدمها على كافة الأصعدة، حتى اضحت مضربا للأمثال، ومصدرا للالهام...
بيد انه في عصرنا هذا، انقلبت المثل والمفاهيم القيمية، واسمحوا لي أن أسهب قليلا بتوضيح المفهوم القيمي، وهو برأيي «أن نعتز أولا بما لدينا من امكانيات، حتى ان كانت متواضعة ونعمل على تطويرها، ثم نكتسب ثانيا مما لدى غيرنا من الأمم الأخرى، وهذا يقاس على مستوى الفرد والدولة والأمة»، ولكن ما أن يتقدم الثاني على الأول، نصبح تبعا لهم، تبعا لتلكم القوة المنتجة، نعم قد نكون متساوين في التقدم والتطور، ولكن الفارق هنا، أن تقدمهم انتاجي مثمر، وتقدمنا استهلاكي مستنزف!!
وهذا على ما يبدو هو السر الأعظم في التبعية لمثل وقيم تلكم القوى العظمى، وهو ما نراه جليا على ضربنا أمثلة محبطة في مجالسنا ومنتدياتنا، تعبر عن أوضاعنا الاجتماعية وانفعالاتنا النفسية!!
خذ أمثلة من مثلنا المثلى:
«اليد اللي ما تقدر تدوسها.. بوسها»!
هذا المثل عدواني جدا.. يدعونا الى ان «ندوس» يد الآخر، فإن لم نستطع فهناك حل ذليل هو ان ننحني و«نبوس» هذه اليد.
ألا يوجد حل وسط، وهو ان نصافح هذه اليد؟!
أظن- وليكن هذا الظن إثما!- ان المفاوض العربي في عملية السلام يؤمن بهذا المثل ويطبقه بحذافيره.
«مد رجلينك.. على قد لحافك».
هذا المثل يطالبني بقطع قدمي لانها اطول من اللحاف، بدلا من ان ينصحني بصناعة لحاف أطول.
«غير جبل ولا تغير طبع أو جبله»
هذا المثل يدعو الى استحالة التغيير وأن تسلم بما أنت عليه من فشل وسوء أخلاق.
ما سبق هو مجرد نزر يسير من أمثلة سلبية هائلة، تقوض من تقدمنا نحو النجاح والتميز والاصلاح والانتاجية المثمرة.
ان تلك الأمثلة من رواسب الموروثات، أبا عن جد، كابرا عن كابر، تعشش في عقولنا وسلوكياتنا، وبالتالي تحبط من لديه ارادة في التطوير لذاته، أو لغيره فيقبع جامدا في مكانه. والمعضلة كذلك أننا ننظر اليها على أنها أمثلة موثقة، وربما مقدسة، وقد نسميها حكما صادقة لمن سبقونا، ومن يكثر استعمالها يقال عنه انه شخص يملك تجربة كبيرة في الحياة، ومن لا يصغي لكلام الأولين أصحاب التجارب (ما فيه خير)!!! «هكذا نزعم» حتى ان كانت تجاربهم موغلة في السلبية.
اذن من الذي يساعد على ترويج هذه الامثال بين الناس، ويحاول زرعها في عقولهم؟
هل السلطوية العظمى تقف وراء هذه الأمثال التبعية الواهنة؟
لماذا فطاحلة مثقفينا ينعتون حصانهم الطروادي بالدهاء والنباهة وحمارنا العربي وصاحبه بالسخرية والبلاهة؟! مع أن الأول مجسم خشبي بائس قصته دنيئة المبادئ والمثل، والثاني كائنان حيان ذكيان، فجحا ذكرت قصصه التاريخ بالذكاء المفرط، والحمار ثالث اذكى حيوانات العالم بعد قردة الشمبانزي والدلافين، حسب احد الأبحاث المنشور في جامعة «اكلاهوما» الأميركية.
هذه اسئلة اسوقها الى كل قارئ لهذا المقال علنا نوجد الحلول ونؤسس «جمعية أمثالنا التحفيزية لشحذ الهمم العربية» وتكونون احد أعضائها الفاعلين، ونعود كما كنا مضرب امثال لهم، ويكون أولئك تابعين لنا بقوتنا الانتاجية وكافة القوى الأخرى وهو ما أراه اليوم قد تحقق مع الرؤية الفاعلة.
Twitter: @A_F9966