نستهل مقالتنا هذه بقصة رمزية..، يروى أنه كان هناك صاحب سلطة ونفوذ في أحد المجالس وكان بصحبته العديد من السياسيين على اختلاف طباعهم وشيمهم وأخلاقهم فمنهم الصالح ومنهم الطالح، واقترح أحد هؤلاء السياسيين بأن يحول فاكهة الفراولة إلى فاكهة البرتقال فتعجب الجميع واستغربوا كلامه! ولكن هذا الشخص أقنعهم بأن هذه العملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وفعلا فقد تم صرف الملايين من الأموال لطلب مساعدة الاستشاريين ودفع تكاليف الدراسات، وقد أصبح هذا السياسي على رأس هرم المسؤولين في المجلس، وبعد 5 سنوات نجحت هذه العملية شبه المستحيلة، وذهب هذا الشخص للمجلس وقدم بعض هذه الفاكهة إليهم وهي عبارة عن شكل برتقالة من الخارج ولكن بالداخل طعمها طعم الفراولة، ولقد تعجب الجميع من نجاح التجربة الغريبة، واشتهر الرجل وأصبح مشهورا إعلاميا، ولكن بعد سنة بالضبط ظهرت نتائج معاكسة فندت مزاعم الرجل، فاكتشف أن هذه الفاكهة ضارة لأنه قد تم حقنها بحقنة بيولوجية والعديد من المواد الكيميائية.
قد تكون قصة ظريفة وبسيطة من نسج الخيال، ولكن إذا نظرنا إلى الحقائق التي ذكرناها في القصة فسنكتشف أن القرار السياسي دائما ما يتم تغليبه على جميع الجوانب وجميع القرارات في الدولة، ولأن القرار السياسي قد يتغير في أي لحظة حسب الظروف المحيطة والمصالح المشتركة فلا شك أنه قد يتضرر العديد من الأشخاص والمؤسسات منه سواء من كلا الطرفين أو قد يكون طرفا ثالثا ليس بالمعادلة.
نعاني إذن من مشكلة كبيرة وهي أن القرار السياسي هو القرار السائد والغالب في جميع الحالات، فإذا كانت لدينا مشكلة اقتصادية فنرى أن حلها سياسي، وإذا كانت لدينا مشكلة في القطاع التربوي نلجأ دوما للحلول السياسية، وإذا كانت لدينا مشكلة عمرانية نجد العشرات من الحلول السياسية لتقوم بحلها، دائما السياسيون هم من يملكون زمام القرار بدون أخذ وجهة نظر الأطراف الأخرى في المعادلة، ومن وجهة نظري الشخصية مشكلتنا أن جميع حلول مشاكلنا سياسية وقد تكون نتائجها مرضية على المدى القريب لأنها ستكون بمنزلة حقنة مسكنة لكي تمتص غضب الشارع قليلا وقد ترضي العديد من الأطراف المعنية بالقضية، ولكننا على المدى البعيد سوف نواجه العديد من المشاكل والأزمات وذلك لأن القرار لم يعط إلى شخص ذي اختصاص، مثلا إذا كان لدينا مريض يعاني من السكري فلدينا حلان الأول دائم وهو أن نعطيه الأنسولين والحل المتغير هو أن نعطيه بندولا.
المركزية في القرارات هي من تجعل القرار السياسي هو الذي يسود في أغلب الأحيان وذلك بسبب التفرد بالقرار وعدم طلب يد العون من أصحاب الاختصاص سواء كانوا اقتصاديين أو تربويين أو أكاديميين وذلك حسب نوع المشكلة، فالقرار الذي يأتي بمزيج سياسي واقتصادي وأكاديمي وفني لا شك هو القرار الذي سوف ينجح ويثبت نفسه في الساحة.
خربشــة: القرار الســياسي قد ينــجح بتحويل الفراولة إلى برتقــال لأنه قـــرار ينــظر ويراعي الجوانب العامة ولا يــراعي المضمون، ولكن لو كــان الشخص متخصصا في مجال الزراعة في ذلك المجلس لألغيت هذه التجربة من الأساس.
[email protected]