نذكر تلك الغمة، وفي الذكرى منافع للمؤمنين، قد تهون علينا آلامنا بفقدان الأعزاء، وثقل صفحات سوداء، طواها الكويتيون، وصاروا مرة أخرى، مثلا لشعب آمن بالحياة، وهزم بإيمانه عثراتها.
تجاوزنا جرحنا بعد صبر على مرارة الوجع، لكن التجاوز لا يعفي من العودة الى الذاكرة، وخزين التجربة الذي تتغير قراءاته بين الحين والآخر، ويبقى دافعا للتفكير والتحليل.
خمسة وعشرون عاما مضت على غزو غاشم هزمه الكويتيون منذ اللحظة الأولى، قبل خوض اي معركة معه، كان وعيهم وإيمانهم سلاحهم الذي قلب موازين القوى في مواجهة غير متكافئة بالمعايير العسكرية، ليسجل التاريخ ان للقيم قدرتها على صد ترسانات الأسلحة، ورد كيد الطامعين.
في شواهد ذلك الفعل الكويتي المشهود له، دروس نذكرها مثلما نذكر احبتنا الشهداء والمفقودين، الذين بذلوا أرواحهم من اجل كويت حرة، وكويتيين اعزاء على ارضهم.
ولعل تماسك اهل الكويت ابرز الشواهد، واكثر الدروس حضورا، في ذكرى الحدث الأليم، فهو الإنجاز الأكبر، الذي حول بلادنا الى قلعة تستعصي على الغزاة، ومع العواصف الهوجاء التي تجتاح المنطقة، والفتن التي تحول طمأنة الأشقاء في محيطنا الى حلم يستحيل تحقيقه، وتحيل حياتهم الى موت ودمار، وتشتتهم في اصقاع الأرض، يصير لهذا الشاهد معنى شرط البقاء في أمن وأمان.
مثلما قالها الكويتيون للغزاة قبل خمسة وعشرين عاما قالوها لطيور الظلام التي حاولت تعكير صفو حياتهم وقد تحاول مرة أخرى إدخالهم في اتون صراعات عبثية ودوامات عنف تأباها شيمهم وأخلاقهم وتجربتهم الحياتية.
والقيادة المجربة في حكمتها وقدرتها على مواجهة تعقيدات الغزو وأزماته اثبتت مرة أخرى انها على قدر المسؤولية وهي تواجه محاولات العبث بأمن الكويت والكويتيين وتقود سفينتهم الى بر الأمان.
ننفض الغبار عن ذكرى الغزو الغاشم لتنتصب قوة نموذج الحياة الذي ورثناه عن الأجداد، وازداد عوده صلابة مع التجربة، ليثبت جدواه في مواجهة عثرات الزمن، وبقوة المثال الذي صار نهجا نواجه الأفعال الآثمة التي تحاول النيل من استقرارنا، تلك المنارات التي تحمي قيم التواد والتسامح، ونستذكر الشهداء ومواقف الدول الشقيقة والصديقة، وندعو الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا الكويت وشعبها الوفي من كل مكروه.