فيصل الزامل
لا يمكن الفــصل بين نظام صــدام حـسين وأسلوبه الشـهـيـر في الـقـتل، وقـدرته على اسـتحـداث شبكات تصـفـية يراقب بعـضهـا البعض، لا يمكن الفصل بين قدرات حزب البعث وبين ما يـحدث في العراق يـوميا، حـيث تصل درجة الإتقان في تنفيذ العمليات التخريبية حدا لا يمكن للعصـابات التلفزيونيـة أن تصل إليه، حيث تم اختراق كل دوائر الأمن وصولا الى عقر الدار في المنطقة الخضـراء، وأعداد القتلى دائما بالعشرات، وأسبوعيا بالمئات.
الذين يقولون أن صـدام حسين قـد مات، ثم يقــفلون ملف دهائه ومـكره هم مـخطـئـون، صحيـح انه مات، ولكنه في رأيي خطط طويلا لهذا اليوم، وكان يضع بنفـسه سيناريو العمل في غـيابه، كـان يتحـدث عن ذلك في أحاديثـه الخاصة والعامة، وجاء في إحدى خطبه «ممكن إحنا ما نكـون موجودين، العـمل لازم يستـمر حسب ما هو مخطط لـه». . وقال لجلسائه يوما «والله إذا رحنا ما يظل بيـها حجر على حـجر، وانتو راح تصيرون مثل الفـيران تتحركون من جحر لجحر».
المليارات التي جمعـها صدام طوال حكمه لم تتـبخـر، هي مـوجـودة، لها نظـام عمل، وقـد استـفادت من تسريح العـسكريين، فوظفـتهم، ونحن في الكويت لدينا خبـرة مع نظام صدام، وكنا نوصل الأموال إبان الاحتـلال، ونحرك بها الناس داخل الكويت فعززت الصمود، ووصلت تلك الأمـوال إلى داخل العراق، فـأطلقت بعض الأسرى، واشترت الأخبار ورتبت أمورا كثيرة.
أرجـو ألا يوقف أحد هذه المحاولة لفهم مـا يجـري في العـراق من قـتل منظم بدقـة هائلة وذلك على خلفـيـة ما هو مـعـروف في تاريخ حزب البعث، الذي اشتهر بدقة تنظيم آلة القتل، حيث كانت في الجيش الـعراقي صفوف يراقب بعـضهـا البـعض، فإذا أراد الصف الأمـامي أن ينسحب بغـير أوامر، كانت مهـمة الصف الذي يليـه هي إعـدام المنـسـحـبين، وهم ـ الجنود ـ يعلمـون ذلك، ما يجـعل بقاءهم تحت القـصف الإيراني بغيـر غطاء مدفعـية خيارا إجـباريا، حتى الموت.
الذين كانـوا يعتقـدون أن برزان التكريتي، المقيم في چنيف لسـنوات طويلة والمسؤول عن أموال صدام، على خلاف مع أخيه اكتشفوا أثناء المحاكمة انه على وفـاق مطلق معه، وهذا يؤكد أن شبكة إدارة الأمـوال التي وضعاها مـعا هي التي تعمل اليوم، للانتقام لهما.
ذكر تقرير عن المهاجرين العراقيين ملاحظة هامة، حـينما قال مـعد التـقرير: «والملاحظ أن هناك طبقات فقيرة معدمة، وأخرى ثرية بالغة الثراء في أوسـاط المهاجرين العراقـيين، سواء إلى المدن العـربية أو الأجنـبيـة». . إنها أمـوال الحـزب، يحرسـها نـظام رقابة، يفـضح من لا يمتـثل لما يطلب منه، وهناك جـزاءات تتجـاوز الفضيحة إلى التصفية.
إن قوة حزب البـعث من شقين، الأول مالي، والثاني أيديولوجي، فـهو الذي تبنى طروحات مـثل «البـوابة الشـرقــيـة» ثم «نفط العـرب للعرب».. الخ، وهو القادر اليوم على التكيف مع الحالة الجهادية في أوساط الشباب المتدين، كي يسوقهم إلى الـصفوف الأماميـة، لحمل الحزام الناسف والدخول به إلى الحشود، ثم التـفجير للدخول سريعا إلى الجنة، بزعمهم.
نعم، هناك أياد أخرى غير حزب البعث تقتل وتخطط كالموساد، ولكن خبرة الحزب بالأرض واستـعداداته الطويلة لهـذا اليوم لا تتـوافران بنفس الكفاءة لغيره.
صـحــيح أن هناك المخابرات الإيرانية، والعـمليات العكسـيـة، وهي جزء من مـخطط البـعث، التي تعـمـل على أن يكون الاحـتـراب والاقتتال لإثبات فـشل من جاءوا بعده، وهذا ما انجـر إليه ربما مـرغمين أصـحـاب العمليـات «العكسية» بل لقد فلت الزمام حتى من الشيعة وصار الاقتتال بينهم علنيا رغم سيطرتهم على أجهزة الدولة وقواتهـا، ومع ذلك فالقتال يدور الآن بين جيش المهدي و«حزب الفضيلة». . الخ.
لقد نجحت استراتيـجية صدام في توظيف المال لشـراء الرجال ومن يرفض يتم شـراء من يصـفيـه، وها هو العراق يدار بالطريقـة التي أرادها صـدام حسين بعـد رحيـله، وتنفـذ بكل دقة!