فيصل الزامل
معرفـة دوافع الانتحاريين، الذين يعـتبرون أنفسهم شهداء، هذه المعـرفة غيـر متيـسرة لمن يخاطبهم من خارج نفسـياتهم وبواعثهم، ولهذا فـقـد نجـح برنامج المناصـحــة الذي أطلق في المملكة العـربيـة السـعـودية داخل السـجـون وخـارجهـا، مع أصحاب فـكر الغلو في الدين، وذلك جنبــا إلى جنب مع الـيـقظة «الأمنية»، والتي أسفرت عن إنجازات كبيـرة، الواحد تلو الآخر.
هذه «المناصحة» مارسنها اتجاهات إسلامية منذ أكثر مـن عشـرين عـاما، وبالتـحـديد منذ حادث الحرم، وذلك عـن قناعة شرعيـة بحرمة الدماء والعـهود والعودة بالتـفسيـرات المبنية على الرؤى والأحلام إلى الأصول الشـرعيـة. . الخ.
هذه الجـهــود التي لا صلة لهـا بالأجهزة الرسـمـيـة كـانت ـ بعـد فـضل الله عـز وجل ـ السـبب في سـلامـة الكويـت من مـوجـة الغلو العـاتيـة التي شـهـدتهـا المنطقـة في السنوات الخـمس الماضيـة، وإذا كان البـعض في أجهزة الأمن على إطلاع بـتلك الجـهـود، فإنها غـيـر معلومة على المستـوى الإعلامي، كونها تخاطب شريحة محددة، وتنطلق مـن «نية» تختلف عما يحدث في الأعمال العادية التي يجري إعلانها للجمهور.
لهذا، فان من يعتقد إن مكافحة الغلو لم تثمر فـانه لا ينتـبـه إلى سـلامـة ارض الكويت من الألغام البـشرية، وهوائها مـن الأفكار الدموية، كـما هو الحـال في أماكن أخرى، ويعـتبـر تلك السلامة شيئا جـانبيا، وهذا «غلو آخر» ضد كل إنجاز إسلامي. المطلوب نبذ هذا الغلو الذي ربما تمنى فشل جهـود بث «الوسطية» كي يثبت انه على صواب، مهما كانت الآثار مدمرة!
عودة الى دوافع الانتحـاريين، يقول المسمى «ابوجندل»، وهو الحـارس الشخـصي لاسامـة بن لادن، والذي ظهر على شاشة «العربية» قبل بضعـة أيام، في لقاء مع الإعلامي البارز تركي الدخيل، يقول ابوجندل بعـد أن راجع ما يجري على السـاحـة: «لم نكن ننتـمي إلى احـد، نحن مجموعة شعارنا تلبـية نداء الجهاد أينما كان،نسـمي حــالنا «ابوشنطة»، يأتـي اتصـال من احدنا بأن الشيشان تضطهد فـيها امرأة مسلمة فنتحرك، وكنا نرى العصابات الأفغانية ونحن نتسلل إلى روسيا عبـر بلاد الطاجيك، فنتخفى عنهم لانهم يسلمـون أي مجاهد «عربي» مـقابل 100 ألف دولار للشخص، وعندمـا لم نتمكن من عبور الحـدود بسبب استنفار روسـي انتشرت مـعــه قـوة من 45 ألف جندي لما عـلمـوا أن 36 عـربيـا سـيـجـتــازون الحـدود، رجـعنا إلى أفغانستان، وكـانت قد أصبحت تحت حكم طالبــان، رأينا الأمن فــيــهـا قــد اسـتــتب، والعصـابات قد اخـتفت وأصـبح الناس آمنين، فـبدأت عـلاقتنا مـعهـم تتوثق، وطلب الشـيخ اسامة لقاءنا واقنعنا بالعـمل معه، وهكذا كان» انتهى.
المقــابلة طويلـة، وهي تفـيــد بأن للشــاب الإسلامي طموحـا كبـيـرا، ولكن «كم من طالب للحق قـد فـاته الحق». . وقـد رأيـنا من نظر في عبادة النبي ژ فـاعتبرها قليلة قائلا «لقـد غفر الله له ما تقـدم من ذنبه وما تأخر، أما أنا فإني أصوم ولا افطر، وقـال الـثـاني. . . » إلى آخــر الحديث، وكـان جواب النبوة الـعظيم: «. . . فمن رغب عن سنتي فليس مني».
انهم يريدون الطرق المختصرة، السهلة، التي يبـتعدون فـيهـا عن ضوضـاء الحيـاة ومكابدة أهواء البشرية، سـواء في انفسهم أو في الناس، والحل هو «الانسحابيـة» والجهد العضلي و. . . الخلاص، والله اعلم أين يكون المصير!
هذه «المقـامــرة» المبنيـة على نـصف العلم، والكثـير من الجـهالة المـتعـمدة وعـدم الرغبـة أساسا في الدخـول في التفـاصـيل قـد تؤدي بصـاحبـهـا إلى عكس مـا أراد «لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما».
نعم، هناك كـوارث تصـيب المـسلمين في كل مكان، وأيضا هناك وسـائل وأدوات لفعل ما هو في طاقــتنا، وهـو الحـد الـذي سنســأل عنه، ويحــقق شـيـئــا، قل أو كـثــر، لرد الأذى عن المسلمين، وإذا كنت تـظن أن الطرق المختـصـرة هي الحل فقد أخطأت الدرب، وسيفاجئك ما تراه في آخرة.