في معركة بدر كان اللقاء الفيصل بين جيش المدينة وجيش مكة، استطاع 314 مقاتلا صادقين أن يهزموا 1000 من المغرورين، ومن بين الصادقين كان حمزة الذي وضع ريشة نعامة في صدره حتى يعرفه المسلمون بينما كان بقية أفراد الجيش المسلم يتعارفون بكلمتين إذا التقيا، يقول الأول «حم» فيقول الثاني «لا ينصرون»، وبغير سماع الكلمة الثانية يعرف المقاتل أنه أمام عدو، لم يكن لدى حمزة وقت لهذه الشكليات، فقال «ابتعدوا عن رجل في صدره ريشة نعامة، وكفى».
في ذلك اليوم كان صناديد قريش يبرزون الى القتال، ينادي كل منهم بكل غرور وكبر «إلي، إلي».. لم يدع حمزة أحدا نادي بهذا النداء إلا وثب إليه وأرداه قتيلا، حتى لم يجرؤ أحد من قريش على تكرار هذا النداء، ثم بعد انتهاء المعركة وبينما كان عبدالرحمن بن عوف يشد وثاق أحد الأسرى، وهو أمية بن خلف، سأله وهو يشير إلى رجل وقف ينظف سلاحه (السيف والرمح) «من هذا الواقف هناك، المعلم بريشة نعامة في صدره؟» نظر ابن عوف إلى حيث أشار الرجل ثم التفت إليه قائلا «ذاك أسد الله، حمزة» فقال أمية «هذا الذي فعل بنا الأفاعيل».
كان يوم بدر هو يوم حمزة بجدارة فائقة، لهذا جعلت قريش أبرز أهدافها يوم أحد «قتل حمزة»، وتحقق لها ما أرادت برمية غادرة من وحشي، عبد لدى هند بنت عتبة، فلما انتهت معركة أحد ورجع المسلمون ومعهم قتلاهم وأحزانهم، كان أهل المدينة يستمعون للمنادي «قتل فلان بن فلان» فيرتفع بكاء أهله، ثم «فلان بن فلان» فيرتفع نحيب زوجته، وهكذا الواحد تلو الآخر، حتى قال «قتل حمزة بن عبدالمطلب» لم يبك أحد، حمزة من أهل مكة وهناك أخواته وخالاته وزوجته وعماته، وأما هنا في دار الهجرة فرفيقه الدائم هو سلاحه، لم يبك على حمزة إلا ابن أخيه، محمد صلى الله عليه وسلم الذي طأطأ رأسه قائلا وقد تساقطت الدموع من عينه «كل الناس تبكي قتلاها، إلاك يا حمزة، لا بواكي لك» ثم دفع ناقته راجعا إلى منزله، كان هذا أصعب موقف يتعرض له النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن تلقى التكليف الرباني بحمل الرسالة، لهذا وقف في أرض المعركة عند جثمان حمزة وقال بحرقة شديدة «ما وقفت موقفا أغيظ علي من هذا، ولولا أن تجزع صفية (أخت حمزة) وأن تكون سنة، لتركتك يا عم حتى تكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم»، فتنزل جبريل من السماء بكلمات الرحمن الرحيم (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين).
كان حمزة قبل إسلامه مولعا بصيد الغزلان، يذهب الى الصيد ويغيب بين النعام وطيور الصحراء، وربما لهذا اختار ريش النعامة شعارا له، عاد يوما من إحدى رحلاته وإذا بجارية لبني هاشم تعترض طريقه قائلة: «و الله ما رأيت كاليوم يا أبا عمارة، لقد سب أبا الحكم ابن أخيك وأفحش له كما لم يفعل أحد من قبل».. لوى حمزة عنق الجواد ودفعه بقوة نحو دار الندوة، وثب من على ظهره وفي يده سهم ثم اتجه نحو أبي جهل (أبو الحكم) فشج وجهه بالسهم وبطش به بالأرض وهو يقول «أتسب محمدا وأنا على دينه، أقول ما يقول» فلما أراد بنو مخزوم أن يقاتلوا حمزة نهاهم أبو جهل قائلا: «دعوه حتى لا تستعر بيننا وبين بني هاشم، اتركوه فو الله لقد نلت من محمد اليوم كثيرا».
هذا هو حمزة، عم النبي عليه الصلاة والسلام، صخرة يوم بدر، وأسد الله الى يوم الدين.
كلمة أخيرة: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «إنا لنُعلم سير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه لأبنائنا مثلما نُعلمهم السورة من القرآن».
[email protected]