فيصل الزامل
عندما تسـمع عن تزايد اتجاه الشـركات الكويتـيـة إلى الـعـمل في الخـارج ـ ليس لتنويـع الأسواق والأنشطة فـقـط، ولكن عزوفا عن العـمل في الكويت ـ فإنه لابد من التـفكيـر بالأمر، فـمن حـيث المبـدأ لا يعني الحرص على بقاء هذه الشركات في الكويت واستـمراريتـها أن يكون ذلك على حـساب العـدالة، في الاتجــاهين، (أولا) من جـانب الشركات تجاه الدولة التـي تقدم الكثير من الدعم بأسـعار رمـزية للمنتج أو الخدمـات ومن ثم تعيـد الشركات طرحهـا للمواطنين بأسعار فلكية، كما أن عليها مسؤولية تجاه المواطنين فيما يتـعلق بالدور الاجتماعي في بلد لا يـفــرض ضــريبــة علـى الدخل أو الممتلكات.
ثم (ثانيـا) العـدالة مـطلوبة من جـانب الدولة والناس تجاه الشـركات التي تشارك في البناء والتطـوير، وهو واجب وطني، في وقت ترحب فـيـه دول المنطقة بـشركـاتنا وتفتح لها آفاق العمل والاستثمار النافع غير المضاربي.
في تاريخنا المحلي، عندمـا قرر ثلاثة من تجار اللؤلؤ الانتـقال إلى البحرين في عـهد الشيخ مـبارك الصبـاح، لم يكن ذلك لسبب سياسي، ولا هو «زعل»، ولكنه رد فعل لقرار الشيخ مبارك بإيقاف موسم الغوص في ذلك العام بسـبب حاجتـه للناس في مشـروعه العسـكري والسياسـي الكبير فـي الجزيرة العـربية، وبـالنظر إلى أن «الطواش» وهو تاجـر اللؤلؤ مـرتبط بالموسم، فـقـد انتـقل هؤلاء التـجار إلى البحـرين حيث لم تـتأثر حركة التـداول بالظرف السياسي الذي تمر به الكويت، وكـانوا يعتقـدون انه لن يكون لموسم واحــد بعــد أن تـكررت الوقــائع والحروب.
أدرك الشــيخ مـبــارك أن ذهاب هؤلاء سيتـبعه ذهاب الناس المشتـغلين بالغوص كـونه مصـدر رزقـهم، وان المغاصـات التي يقصـدونها، سـواء في الكويت أو البـحرين واحدة، والإنسان يتبع مصدر رزقه.
لهـذا أرسل الشـيخ مبـارك ابنه الشـيخ جـابر إلى البـحـرين، فـرجع مـعـه كل من ابراهيم المضـف، وشـمـلان بن سـيف، ولم يرجع هلال المطيـري، فذهب الشيخ مـبارك بنفسه وأقنعه بتعديل القرار، فرجع.
الحقـائق الاقتصـادية تتسبب في أكـبر الهجرات، إلى جانب الطبيعـية والسياسية، ونحن فـي الكويت هذه الأيام نـضع الأسس للمـزيد من أسبـاب هجـرة الشركـات، وإذا انخفض مدخول النفط، فـلابد من أن تتبعها أنواع أخرى من الهجـرة حين يحين اليـوم الذي لم نخطط له، بل عمـلنا العكس تماما، مع الأسف الشديد لم نعالج مشكلة الأراضي التي لا يمكن إقامة مـشـاريع متـوسطة أو كـبيـرة بغيـر توفيـرها، وإذا كان الشـيخ عبدالله السالم قد حفظ لنا الأرض من التملك الفوضوي، فهذا يعني أنه قد أسس لنا، لنقيم عليـها المدن والأسواق والمستـشفـيات، إن مساحـة البحرين هي 716 كيلو متـرا مربعا ومساحة الكويت هي 700‚16 كيلو متر مربع، ومع ذلك فالأولى تنمو، وتوفـر مسـاحات ضخمة لمشاريع جـديدة تستقطب الشركات الكويتيـة، التي تضع البنية الأساسية لمدن ترفيهية وموانئ ومسـتشفيات في البحرين الشقيقة.
لماذا تبـقى الشـركـات في الكويت؟! هل يكفي بند المقـاولات دون بند الاستـثمـار؟! الأول يعني أن الدولة تنفق وتدفع للشركات والثـاني يعني أن تدفع الشـركـات للدولة، وتدير وتطور الخـدمـات، وتوفـر المزيد من فرص العمل.
لقد بلغ الخوف بنا مـبلغ الرعب والذعر، ولم يمنع التعدي على المال العام، فالسرقات على أشدها، مـن الكبير والصـغيـر على حد سواء، والشركات الجادة مكبلة عن العطاء، فما العمل؟!