فيصل الزامل
حـسب اتفاق مكة المكرمـة، يكون وزير الداخلية في السلطة الفلسطينية شخصية مـسـتـقلة، بتـرشـيح من رئيس الوزراء، وقبـول من رئيس السلطة، وبعد أن رفض هذا الرئـيس 8 أسـمــاء، وافق علـى هاني القـواسـمي (مـسـتـقـل) ولكن على ارض الواقع سارت الأمور بشكل مغاير.
تم عزل وزير الداخليـة عن إدارة الشأن الأمني تمامـا، الذي تولتـه أجهزة تابعـة لرئيس الـسلطة، تحــمل أسماء «الامن الوطني» و«المخابرات العـامـة» و«الأمن الوقـائي»، جـميـعـها انتـشـرت في المدن الفلسطينية ومنعت القـوات الحكومية من التـصدي للفلتـان و«الزعرنة» كـما يقـال هناك، في شوارع تلك المدن.
إنها صــورة مـتكررة، تعكس الـفـهم العربي للديموقراطيـة حيث يتم الاحتكام إلى صندوق الانتخـابات، بشرط أن تكون النتائج لمصلحـة فريق محـدد، فان لم تكن كـذلك رأينا ما يحـدث في لبنان منذ حـرب الصـيف الماضـي وحـتى الآن، واليـوم في فلسطين.
لقـد بلغ الأمر بـبـعض الوزراء الذين يمثلـون حــركــة فــتح في الحـكومــة الفلسطينيـة أنهم نصحوا «. . . » المبـعوثين الأوروبيين بعــدم التـعـجـل في إرسال المساعـدات إلى الشعب الفلسطيـني إلى ما بعد شـهر يوليـو، وذلك سعيـا وراء حسم الأمور لمصلحـة فتـح خلال هذه الفـتـرة، وإظهارا لعجز حكـومة «هنية»، الأمر الذي كان عـائقا عن وصـول المساعـدات إلى هذا الشعب، فإذا أعيد تشكيل الحكومة بتكليف من الرئيس لأحد عـناصـر فـتح، وسـمح بوصـول المساعدات فـان ذلك سيـصب في مـصلحـة «فـتح» وأنها هي التي حـقـقت الانفراج الذي انتظره الناس طويلا.
إن حركة حماس تتحمل اليوم مسؤولية شعب، وإذا كان المبـرر المعلن لهذه الحرب التي تشنهـا فتح عليـها هو رفض حـماس الاعتـراف بإسرائيل، فان التـعامل مع هذه المسألـة بشكل شرعي لا يسـتهـدف إرضاء فـتح أو غيـرها، فالأحكام الشـرعيـة التي تعامل بموجبهـا المسلمون مع دولة الشرك في مكة المكـرمـة قـبل الفـتـح، وتلك التي نظمت العـلاقة بين المـسلمين واليهـود في المدينة، هي التي تنظم العلاقـة «اليوم» مع إسرائيل التي تحـتل ثالث الحرمين، مـثلما كانت دولة الشرك تحتل أولها.
ليس في الأمر تراجـع عن المبادئ، ومن تصوره كـذلك فهو قليل المعرفـة بالأصول الشرعية، بل لقـد نال القائد المظفر خالد بن الوليــد لـقب «ســيف الله المسـلول» عن المعركـة الوحيدة التـي انهزم فيـها من بين مئات المعـارك، وهي معركة مـؤتة، حينما أدرك أن الاستمرار في القـتال يعني الضرر الماحق للـمـسلمين، ورغـم حـداثة علـمـه بالأحكام الشــرعـيـة، فـقــد اسلم ولحق بالجهاد فورا في مؤتة، إلا أن ما فعله هو ما يسميه الفقهاء «دفع اكبر الضررين».
لقـد عــرضت حـركـة حـمــاس فكرة الاستفتاء الشعـبي لتحمي التوجه الجديد نحو إسرائيل، ونحن نقول الحـماية تأتي من دراسة شرعية يتم عرضها على الناس، يسـتند إليها قرار دولة، يتـخذه رجـال لا يخـافون في الله لومـة لائم، ولا يتركـون هذه الدمـاء تجـري هدرا، لتـشمت فـيـهم العدو، وغير العدو!
إن من مـصلحـة حركـة فـتح أن تنجح حمـاس في تجاوز المرحـلة الحاليـة، فإذا جـــاء دورها في الحكـم بســبـب الدورة الطبيعـية في العمل السيـاسي فإنها تنقل النقد عن الاعتراف بإسرائيل إلى حماس.
لقد جاء توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1976 أثناء وجـــود حـــزب الليكـود في السلطة، وهو أمر لم يكن حزب العمل قادرا على فعله، فمـثل هذا القرار يجب أن يستند إلى أمرين: صندوق «الانتخابات» ووجود الفئة «الأكثر تشددا» في الحكم.
هل تدرك فتح أن أمامها فرصة ذهبية، أم يسيطر ـ كالعادة ـ قصر النظر؟!