فيصل الزامل
مشهد غريب، يلتقي ثلاثة اشخاص في مقهى، ولا يتحدثون مع بعضهم، كل منهم يتحدث عبر هاتفه النقال، ولا تدري لماذا يلتقون؟ في اللقاءات العائلية يجلس البعض شكليا امام اهله بينما يده تعبث بالهاتف للمراسلة واحيانا للمحادثة، ثم يستأذن للانصراف، وكأنه كان حاضرا! انها ظاهرة مزعجة، حيث يستكثر الابناء او البنات وهم في البيت استخدام الهاتف الثابت الذي يبعد عنهم نصف متر، ويفضلون عليه النقال لمحادثة الآخرين حتى وان كانوا في نفس البيت!
يقول لي دكتور أجنبي جراح اعصاب يعمل في السعودية «اجريت عملية لاستئصال ورم بحجم الليمونة الصغيرة من رأس شخص كان كثير الاستخدام لهاتفه النقال» قلت له «كيف عرفت ان الهاتف هو السبب؟» قال وهو يستشهد بالممرضة الفلبينية الجالسة معنا وذكر لها اسمه: «جاءني نفس المريض السعودي بعد ستة اشهر يشتكي من صداع، وبالفحص تبين ان لديه ورما ثانيا في الجهة اليسرى، واخبرني أنه نقل استخدام سماعة الهاتف من الجهة اليمنى التي اجريت له فيها الجراحة، الى الجهة اليسرى، صحيح ان نسبة حدوث مثل ذلك الورم ليست كبيرة وهي تتفاوت بحسب استعدادات الناس، ولكنها مجازفة مميتة، وأنصح بالتقليل من استخدام الهاتف الذي يعتمد على المايكرويف (النقال) الى ادنى درجة ممكنة». انتهى.
نحن أمام ظاهرة الهوس الاستهلاكي والمجازفة بالصحة لصالح هذا الهوس غير مقبولة، فالكثيرون لا يستخدمون الجهاز للاتصال بقدر ما يستخدمونه لأمور أخرى مثل ارسال الصور والتسجيلات والنغمات، ما جعل هذا الجهاز يستحوذ على 40% من ميزانية الاسرة التي تعاني حاليا من الغلاء ويتأفف افرادها بلا انقطاع من مشكلة السكن سواء للتملك او بسبب الايجارات المرتفعة، فإذا اضفت الى ذلك فاتورة التعليم لكثير من الاسر التي تدفع الألوف إما للمدارس الخاصة وإما للمدرسين الخصوصيين، فإنك تكون امام لغز محير، كيف يمكن تلبية متطلبات الاسرة تجاه هذه الامور الاساسية بينما هي تنفق بسخاء على اتصالات عبثية اكثر من ربع دخلها المهدود؟
لقد استطاعت شركات الاتصالات وأخرى موازية لها التسلل الى ميزانية الاسرة بمختلف المغريات، وتدخلت في سلوكيات الاسرة فازداد الكسل ما جعل م.محمد ابوقريش، السكرتير العام للجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات في مصر يقول:
«استطاع البزنس ان يحول هستيريا الاتصالات لصالحه ويبني خططه للتوسع عن طريق طرح نغمة جديدة كل يوم، هذا الاقتصاد الخفي لتلك الشركات لا تشمله الضريبة ولا رسوم الدولة، لهذا فهو يحقق ارباحا خيالية لا تمثل اضافة فعلية للانتاج بقدر ما تكشف عن فراغ كبير وميل للفردية وتعزيز للممارسة المظهرية عبر تغيير النغمة وبقية الممارسات الشكلية دفعا للملل والتباهي».
طبعا، هناك الجانب الايجابي جدا للاتصالات المتنقلة، وهو الذي تقوم به شركات اجنبية تقدم عروضا للأسرة توفر الاتصالات شبه المجانية بين افراد الاسرة التي يجمعها عنوان سكني مشترك، وهناك وظائف جديدة للهاتف تتعلق باستخدامه كمخزن للبطاقات المدنية والسحب الآلي، وفي ألمانيا يستخدمه الراكب في وسائل النقل العام للدفع، وغير ذلك من فوائد تتجاوز التشجيع على الهذر، ومظاهر عدم الاحترام للآخرين في المحاضرات والمجالس والمساجد واللقاءات الأسرية.
فائدة اقتصادية
الصحافة العالمية تتحدث عن شراء الكويت 40% من شركة «دو» العملاقة للبتروكيماويات، وحيازتها مركزا بحجم «سابك» عبر هذه الخطوة، وامتلاكها حقوق تصنيع منتجات أساسية كالاثيلين والجلايكول، ولا أحد يتابع في الكويت، ولو ان حادثة جرت في غرفة حارس في مجمع للبتروكيماويات لانتبه الجميع، أعاذنا الله وإياكم من مقولة العرب القديمة «بئس اخوان العشيرة، إن رأوا خيرا كتموه، وإن رأوا شرا أذاعوا به».