قال أ.أنور النوري في كتابه «في مرابع الذكرى»: «بعد عام واحد من حرب السويس، عام 1956 كنت أدرس في لندن وتحدثت مع شخص انجليزي بحماس عن تلك الحرب فقال لي: هل تعلم أن عبدالناصر انهزم في تلك الحرب وأن إسرائيل لم تخرج من سيناء مثلما يقول لكم؟ يجب أن تعرفوا الحقائق قبل أن تتحمسوا في النقاش».. ويمضي الكاتب مسجلا دروسا كثيرة مثل هذه، محليا وعربيا، ولو أن كل صاحب تجربة ثرية قام بتوثيق تجاربه لأمكن للأجيال الإفادة من تجارب السابقين.
على سبيل المثال، عرض بومناور قصة مبنى جامعة الكويت التي تأسست عام 1966 ولاتزال بعد 45 عاما بغير مقر مصمم كمبنى جامعي، ولو تمت الإفادة من أسباب تعثر المشاريع الكبرى المشابهة لأمكن تنفيذ مشاريع مجمدة منذ: «جسر الصبية 32 سنة ـ المستشفيات 28 سنة ـ المطار 23 سنة ـ أرض المرقاب 22 سنة ـ مبنى وزارة المواصلات الكائن في شارع فهد السالم 15 سنة..الخ»، ففي حالة مبنى الجامعة تقدمت في عام 1968 شركات المقاولات بعروض أسعار تتجاوز الميزانية المقرة للمشروع ـ 140 مليون دينار ـ فألغيت المناقصة وتم تجميد الموضوع، اليوم وصلت التكلفة الى 1.4 مليار دينار، القاسم المشترك في حالات التجميد هو التوقف أمام المشكلة بغير تقديم حلول وبدائل، فلا يوجد مشروع أو قرار إلا وستبرز أمامه عقبات، حتى قرار إنشاء الجامعة عام 1966 وجد من يعارضه من باب «لا توجد أعداد كافية من الطلبة، نرسلهم برة أرخص» ثم يتحول المعارض الى مرحلة العناد لهذا رفضوا في القانون الذي صدر عام 1966 بشأن الجامعة استخدام كلمة «جامعة» واقتصرت مواده على مسمى «كليات التعليم العالي» وحتى مدير الجامعة، أعطي مسمى «مستشار التعليم العالي» وكان نصيب أ.أنور النوري «الأمين العام للتعليم العالي»، وبعد سنوات تم تعديل هذا «العناد»!
كتاب «في مرابع الذكرى» فيه عبق «كويت النهضة»، والنقلة من بيوت الطين الى مقاعد الدراسة في لندن ثم العودة الى الكويت وقد اختفى البيت الذي ولد فيه الكاتب، بل اختفى الحي بأكمله وذهبت معه معالم تفيض بذكريات الطفولة، وكان هذا حال جيل بأكمله، يصف الكاتب احتفاء الأسرة والأقارب والأصدقاء بعودة الدارسين في بريطانيا، بل حتى مخالفته لقانون المرور أعفاه الشرطي منها عندما شرح له أنه اعتاد على القيادة في لندن من جهة اليسار، مع تنبيهه لتوخي الحذر، أجواء أدركتها في قريب لي من زملاء بومناور، هو الأخ بدر حمود الإبراهيم، كانت زيارته للكويت عام 1957 وما تلاها حدثا تجتمع الأسرة حوله في ولائم وحفاوة، وذلك لقلة أعداد الدارسين بالخارج.
المحطات التي تناولها الكاتب لا تستوعبها مقالة، فهي رحلة مع التعليم في الكويت، ثم النشاط السياسي العربي في الخمسينيات والستينيات، ومحليا على مر خمسة عقود من الإخفاقات السياسية المتكررة، ومواقف لا تنسى مع قيادات كويتية وعربية، مواقف تفيض بالدروس والعبر التي آمل أن يستفاد منها لتخطي الكثير من المعوقات التي لا نزال نعيشها، مع الأسف الشديد.
شكرا بومناور، والأمل كبير في تكرار التوثيق من أبناء جيلك، فهذه أمانة لابد من نقلها من يدكم الى أياد أمينة تنفع وطنها، حتى يحقق تراكم الخبرات النضج الذي يميز الدول بعضها عن بعض.
[email protected]