فيصل الزامل
متابعة أسباب الغلاء موضوع دولي، ونحن في الكويت يمكننا الفصل بين الأسباب العالمية والمحلية، ونملك أدوات مهمة مثل الجمعيات التعاونية التي تنسق معها وزارة التجارة هذه الأيام لطرح سلع بديلة بما يقلل من انفجار الأسعار الذي آذى الأسر وطوقها بشكل خانق، ومن المعلوم أن بعض المستوردين قد دأب منذ سنوات طويلة على استخدام أي مبرر عالمي لرفع أسعاره، مثل ارتفاع سعر عملة من العملات، ولكن اذا عاد سعر العملة الى الانخفاض فإنه لا يعيد الأسعار الى سابق عهدها، واذا كان غلاء الأطعمة يقاس بمئات الدنانير فإن غلاء الأراضي السكنية يقاس بعشرات الألوف، ما يجعل تصحيح هذا الخلل أمرا بالغ الأهمية، واذا كان المستثمرون في البورصة يتعاملون مع «الحركات التصحيحية» بشكل عملي وطبيعي فإن شيئا مماثلا يجب أن يخدم العقار السكني، علما ان الضحية فيه هو مواطن وليس مستثمرا لديه ملاءة مالية، ولكنه زوج يضم راتبه الى راتب زوجته ويعملان في وظائف اضافية حتى يلاحقا ارتفاع أسعار السكن الخاص التي رتبت عليهما قروضا اضافية ما كانت لتحدث لولا تلك الأسعار التي تم ترتيبها في كثير من الأحيان بمبايعات ثنائية، وربما صورية، بين المضاربين.
في هذا الاطار يأتي التزام وزير التجارة السيد أحمد باقر بتطبيق القانون 9 لسنة 2008 ومتابعة لجنة متخصصة للمخالفين في تطبيقه لتصب في صالح المواطن مهما كان ذلك مزعجا للآخرين، فالمواطن هو الهدف الأجدر بالحماية، ولكن - كما ذكرنا في مناسبات سابقة - مع معالجة مسألة حاجة المواطن الى التمويل الاسكاني الطبيعي التي تختلف عن تلك المضاربات التي استهدفها القانون.
لقد وصل معدل التضخم في الكويت الى نسبة 10% وهو يتجاوز المعدل العالمي في سائر الدول التي تشكو من الغلاء الذي يتراوح بين 2 و 3% وفي السعودية وصل الى 6%، الأمر الذي يجعل الكويت في دائرة الخطر فيما يتعلق بميزانية الأسرة ويقلص بشكل متزايد الطبقة المتوسطة ويكون المجتمع أكثر استقرارا بقدر ما يزداد حجم هذه الطبقة في أي دولة.
من جانب آخر نحتاج الى ضبط العادات الاستهلاكية التي تعرضت لهجوم شرس من الأسواق، حيث أصبح لكل فئة عمرية برنامج هجومي من قبل الأسواق: الأطفال تهاجمهم الطلبات الغذائية (توصيل منازل)، الشباب تهاجمهم مقاه تستنزف جيوبهم لمشروبات مصطنعة بأسعار خيالية، الكبار تلعب بجيوبهم فاتورة الاتصالات التي لا ترحم وشركات لا تلتفت الى ما تفعله شركات غربية تمنح امتيازات لاتصالات الأسرة..الخ.
هذا الهجوم المتعدد على كل أفراد الأسرة يحتاج الى مواجهة منظمة لتغيير الأنماط السلوكية لدى كل فئة، فما معنى أن تفرض بائعة الوجبات السريعة على الطفل اضافات على طلبه عن طريق تذكيره وهو جائع بطبق كذا وزيادة كريمة وبطاط من نوع كذا؟ والمسكين يهز رأسه، محققا للبائعة دخلا اضافيا - عمولة - على حساب والديه.
ختاما، كل الشكر للجهود الرسمية في مكافحة الغلاء، بقيت الجهود غير الرسمية التي ننتظرها من جمعيات النفع العام والجمعيات التعاونية وحتى مكاتب المحاماة التي يمكنها أن ترصد خروقات قانونية في عقود البيع مما لا ينتبه اليه المواطن الا في وقت متأخر.
كلمة أخيرة:
استقبل عمر ( رضي الله عنه ) بائع أغنام عند مدخل السوق، فاشترى منه أغنامه وذهب بها الى الجزارين ثم باعها عليهم بمثل ما اشتراها، خوفا من أن يسبقه غيره الى الشراء من الراعي فيغلي على الناس الثمن، واكتفى بربحه وهو فخذ شاة، خرج بها عمر من السوق وقد علقها على كتفه.