فيصل الزامل
الكلام عن المذهبية هو حديث على السطح، ولو اخذنا لهذا الموضوع لقطة كبيرة فقد نرى اشياء اخرى، حيث يجري في كثير من الاحيان توجيه الدين في مسارات جهوية، خذ كمثال اسلوب وطريقة الاداء في قراءة القرآن الكريم، حيث يأنس المواطن اليمني الى اسلوب رجل يمني وطريقته في القراءة اكثر من غيره، خاصة اذا كان هذا الغير يضفي على قراءته نمطا عراقيا او مغاربيا، وهو امر يجيده كثير من الناس في الاقطار الاسلامية، فقراءة الامام بمسجد في مدينة الرياض بطريقة نجدية تقليدية، يألفها اهل الحي فإذا سمعوا قارئا من جنسية اخرى يأخذ مكانه يقرأ بنكهة بلد آخر - وكان الامام حريصا على اظهار تلك النكهة - فلن يمر الامر معه بسلام، الشيء نفسه يحدث في اي مدينة اسلامية، ولكن اذا نجح القارئ في تخليص قراءته من اي نكهة اخرى سوى النص القرآني العظيم، فإنه سيكون من مرتبة محمود خليل الحصري - مثلا - الذي تقبله اهل طهران، في ايران، معلما لابنائهم، فقد كان يقرأ القرآن فقط، ومثله مشاري راشد العفاسي الذي تقبله الناس في مصر ولبنان وغيرهما، هذا مجرد مثال لتطبيقات دينية كثيرة اخذت طابعا جهويا، وفي الكويت هناك تجاذبات يتأثر فيها النداء الروحي بنداء الطين، وهو امر مذموم، وبالطبع سينفي المعنيون بالامر هذه المسألة (...) بسرعة كبيرة تثير الريبة اكثر، وسيتجه النفي الى منحنيات ومخابئ لا تتفق مع جوهر الدين الذي نهى عن تحديد «اعيان» الناس او الاقوام بمميزات من اي نوع، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لرجل شهد لشخص محدد بالجنة بعد موته «وما يدريك؟ اني رسول الله وما ادري ما يفعل بي الغداة» اما الحديث في الاوصاف العامة فهو باب مطلق يصيب بخيره وشره الناس اينما كانوا واينما نسلوا، بقدر ما ينالهم من تلك الاوصاف.
قال لي رجل من تركيا «اذا سألت شخصا تركيا في اوروبا عن دينه، فسيقول لك «تركمان، الحمدلله» الهوية التركية والديانة الاسلامية عندنا شيء واحد» هذا الترابط بين الهوية والدين قد يشهد مبالغة سمعت عنها من صديق اميركي مسلم، يقول «كنت اركب السيارة مع مسلم من باكستان، قال لي لنذهب الى الغداء، سنذهب الى مطعم اسلامي اسمه «تاج محل» قلت له، لم لا نذهب الى مطعم كذا وذكرت اسم مطعم اميركي يقدم طعاما حلالا» تابع الاميركي الابيض كلامه مع زميله قائلا «قل سنذهب الى مطعم باكستاني، اما الاسلامي فهو اينما كان الطعام حلالا فهو اسلامي، لا تربط الدين بالجغرافيا».
وتتضح هذه المسألة اكثر واكثر في حكاية رؤية هلال رمضان والعيد ليس في الغرب فقط، بل في بلاد كثيرة حيث تكون الرؤية الجهوية مقدمة على الرؤية الشرعية عند كثير من المسلمين، وهذا بلاء عظيم نتجت عنه مقولة لايزال لها اتباع الى اليوم، عندما قال رجل من ربيعة التي ظهر فيها مسيلمة الكذاب «كذاب ربيعة احب إلي من نبي مضر» ولك ان تتخيل مسلما يصوم ويصلي ويحج البيت ولكن تداخل نفسه نزعة خطيرة كهذه، صغرت او كبرت، اي اساءة اساء فيها الى تلك العبادة؟!
نعم، الكلام عن المذهبية عندما يتداوله السياسيون يختلف عن تداول العلماء له فيما يتعلق بأحكام كل مذهب في مسائل التشريع، الامران منفصلان عندي تماما، ما يجعل تخليص المذهبية من الجذب الجهوي واجبا شرعيا وفريضة دينية حتى تخلص نوايانا التي سنلقى الله عز وجل بها من نوازع الارض، وما فيها من علائق الدنيا.
لقد رأينا كيف اثر الارتباط الجهوي بالناس في بعض البلاد العربية ابان احتلال العراق للكويت حيث انهارت الموازين عند من يتحدثون من منطلق ديني او قومي وتشكلت الآراء بحسب الموقع الجغرافي لكل منهم في واحدة من اشد الفترات مأساوية في تاريخنا المعاصر، وها هي العلة تعاود الى البروز فيما بين ظهرانينا ولكن في الوارد المذهبي الذي يتأثر بالجغرافيا اكثر بكثير من اهتمامه بالوارد الشرعي وان زعم غير ذلك، نحن في نفس البيئة ونفهم هذه الامور جيدا وبغير المصارحة ستستمر في التأثير علينا بشكل مدمر وبغير طائل، فالجغرافيا لها اجندة لا تتطابق مع قضايانا «الاقرب» الى مصيرنا!
كلمة أخيرة:
اتمنى ان يأخذ المهتم بموضوع اليوم هذا الامر بجدية، ففي القرآن الكريم (وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) والسبب هو تغلب نزعة الطين على ارادة ما عند الله عز وجل.