فيصل الزامل
قرأت خبر اعفاء دولة الامارات لوزير الدولة من منصبه لأمور تتعلق بخيانة الأمانة، وتساءلت عن جرأة الدولة هناك في التعامل مع المقصر والمتجاوز، يقابل ذلك دعمها القوي للمجد والمخلص، بل استقطابها للعناصر الجيدة حتى من دول الخليج دونما لحظة تردد، ومن بين هؤلاء م.أحمد العربيد الرئيس التنفيذي السابق لشركة نفط الكويت، والمسؤول عن تطوير حقول الشمال في الكويت، ذلك المشروع الذي لم ير النور، استقطبته الشقيقة الامارات في شركة «دانة غاز» وخلال عامين من بدء العمل حققت تلك الشركة ايرادات عن عامها التشغيلي الاول مليار درهم، واستقطبت تمويلا بصيغة الصكوك بمليار درهم للشركة، وهي تعمل حاليا على تطوير 19 بئرا في الامارات وخارجها وتقود ائتلافا يعمل على انتاج الغاز في منطقة السويس بمعدل 55 مليار قدم مكعبة تحت اشراف شركة تأسست في البحرين باسم «الشركة المصرية - البحرينية لمشتقات الغاز».
لقد تحدثت يوم امس الأول عن نجاح القطاع الخاص «الخليجي» في تجاوز الاطار الاقليمي وافادة دولة مقر الشركات الخليجية من ذلك النجاح، كما يحدث في الامارات والبحرين، والنموذج الذي نتحدث عنه اليوم يمثل توليفة خليجية اثمرت هذا الانجاز الرائع حيث تضم شركة «دانة غاز» فريقا فنيا واداريا من مواطني دولة الامارات، بعضهم يملك خبرات تمتد لـ 30 عاما مثل السيد سيف الجروان، وآخرين غيره، وفي البحرين عملت هذه الشركة مع الجانب البحريني على تطوير صناعة الغاز هناك، وقد استفادت الشركة بقوة من مرحلة ارتفاع الأسعار في عملياتها الدولية، الامر الذي يقلل من الاتكالية على النشاط المحلي الذي يقتصر - في الكويت - على حفر الآبار من الشقايا الى برقان.. الخ، دون امتداد خارجي يحقق قيمة للخبرات المتراكمة على نحو ما تمت الاشارة اليه.
في الواقع، هناك مجموعة ليست قليلة من ابناء الكويت يعملون في دول الخليج بعد ان ضاقت بهم السبل في بلدهم، يقول أحدهم: «نحن هنا في البحرين سنشكل بيننا رابطة كويتيي المهجر، لدينا جلساتنا المسائية لتعويض الغربة، ثم ننطلق الى اعمالنا منذ الصباح الباكر، ونزور الكويت في عطلة نهاية الاسبوع» هذه الطاقات كانت الكويت ستستفيد منها لولا المعوقات المعروفة، سألت أحدهم من قبيل الفضول: «ما الذي دعاك للهجرة بأعمالك؟» قال: «خذ هذا المثال، اشتريت آلات في دولة الامارات، عند شحنها احتجنا الى شهادة منشأ، ذهبت الى غرفة التجارة في ابوظبي، لم يكن هناك «كاونتر» للمراجعين، بل جلسة استقبال فاخرة، جاءني الموظف وجلس الى جانبي، بعد الاطلاع على اوراقي قام واردت اللحاق به فطلب مني الجلوس، قائلا: «المعاملة هي اللي تتحرك وليس المراجع، استريح» بعد فترة حضر ومعه شهادة المنشأ، في هذه الاثناء كان يمر علينا وبقية المراجعين موظف آخر يوزع هدايا تذكارية من «غرفة تجارة ابوظبي» لاستعمالات الكمبيوتر، في الكويت القصة مختلفة ولا داعي لسردها» ثم تحدث شخص آخر قائلا: «بالنسبة للمستثمر في الكويت وضعه يشبه من يبني الاهرام، فهو يواجه صعابا غالبا ما تنتهي به الى قضايا في المحاكم، يتنقل بها من قصر العدل الى مبنى الخبرة في الرقعي، وينسى اين ابتدأ واين انتهى في نشاطه التجاري، مذكرات محامين ومواعيد لا تنتهي بالسنوات، تذهب طاقتك في هذه المتاهة ويتشتت تركيزك، بينما هنا راسك في الشغل فقط لا غير».
شعار «نحو دولة مؤسسات» جميل في ظاهره، ولكن في الجوهر الأمر مختلف حيث لم تنجح تلك المؤسسات في القضاء على الرشوة ولا الفساد ليس لخطأ في مبدأ العمل المؤسسي ولكن للانحراف الذي اصاب التطبيق وجعل تلك المؤسسات اداة في يد المفسدين المحترفين، ولهذا لا نرى مرتشين ينالون جزاءهم ولكن نرى مستثمرين تتخاطفهم ايد كثيرة سواء في الدوائر الحكومية او على ايدي سراق النهار، وهم اخطر بكثير من سراق الليل.
كلمة أخيرة:
تحية للمهاجرين من ابناء هذا البلد، فقد استبدلوا الشكوى بالعمل، كل حسب خبراته وأينما اتيحت له الفرصة، تحية لهم فقد تحملوا صعاب البعد عن أهاليهم حتى يثبتوا ان العمل أقوى والمثابرة أكثر تأثيرا من الكلام والتحليلات الطويلة.