المشهد السياسي الآن هو:
٭ الجميع كان يتحدث، الصحافة والناس، منذ سنة وأكثر عن الخلل الكبير في العمل البرلماني، الصحافة تحدثت بمرارة عن توقف التنمية، والناس تحدثوا عن افتقاد العدالة في التعيينات والنفوذ الذي يمارس به بعض النواب الضغوط لصالح من حولهم على حساب بقية المواطنين، والكل مستاء من مستوى الفساد (في الذمة وفي الرأي).
٭ الجزء الأكبر ممن طالبوا بنظام الدوائر الخمس عام 2006 تحدثوا عبر وسائل الإعلام عن نتائجه المدمرة للنسيج الوطني وزيادة معدل الفساد السياسي، الإفادات كانت مكتوبة ولا يحتاج القاضي في شؤون الرأي العام إلا ان يمرر أصابعه على شبكة الإنترنت.
٭ لو لم تمارس القيادة السياسية واجبها للتعامل مع هذا الوضع لجاء من يوجه لها اللوم في المستقبل، ويحملها مسؤولية التردد في اتخاذ الإجراء المستحق والمتاح دستوريا، فتقدير الضرورة مناط في نهاية المطاف بها.
٭ نزعة «التحدي» هي التي تسيطر على الأجواء منذ سنوات، وهي ليست من أبجديات العمل السياسي الذي يقوم على إدارة الساحة بواقعية وعدم القفز على المراحل بروح نقابية، ليست سياسية، وهنا أتذكر قصة لشاب في حصة الدين، كان يجلس في آخر الصف بسبب حجمه الضخم وسمنته الشديدة، وكان المدرس الأزهري يتحدث عن بلاغة القرآن الكريم: «هذا الكتاب المنزل كامل البلاغة والبيان، محدش من البشر يقدر يعمل زيه، لا يمكن، لا أحد يقدر».. فتحمس الشاب الضخم، وضرب على صدره قائلا: «آنا أقدر أستاذ.. شنو».. لقد رأينا في التجمعات التي حدثت أشخاصا شاركوا فيها بدافع التحدي والتمرد، وهي خصلة سيئة يندم عليها صاحبها بعد سنوات طويلة، لأنه لم يكن يعرف التفاصيل «والله قالوا لنا طلعوا.. طلعنا..».. عفوا، هذه الصفة لا تنطبق على كثير من المشاركين، فلهم التقدير فيما يرونه من آراء، ولكنني أتحدث عن فئة تعجبها نبرة التحدي، أيا كان اتجاهها.
٭ تناولت الصحافة مشكورة الواقع الذي وصلنا إليه بشيء من المسؤولية، ودعت الى تفكير مسؤول لإخراج البلاد من هذا النفق الذي تؤكد مساراته انه لولا لطف الله ثم الانضباط لتضاعفت الخسائر ليس على طرف واحد، ولا حتى على أشخاص المشاركين بل على وطن مستهدف من أطراف لها أغراض لا صلة لها بالحوار الدائر، ويعجبها ان تستغله بطريقة لم تكن تحلم بها في الظروف العادية.
٭ طرحت أفكار جيدة عبر وسائط التواصل، منها قيام المجلس القادم بالتصويت على المرسوم بغير مشاركة الحكومة في التصويت، لينتقل طرح «هل الحكومة لا تستطيع تمرير 5/4 بوجود 16 وزيرا لها في التصويت؟» الى: «هل المعارضة لا تستطيع إلغاء مرسوم 5/1 مع امتناع الحكومة عن التصويت؟».
خلاصة القول: لا يمكن لمن اشتكى منذ شهور من الممارسة السابقة ان يتحول الى التردد عندما تتاح فرصة التغيير، والصحيح ان يساعد في تطوير الحلول لتسهيل الخروج من هذا النفق، لا أن يضع العصي في مسيرة كان يطالب بها بشدة.
كلمة أخيرة: ليس متوقعا ألا تقع فتن في اي زمان ومكان، المهم هو «أين تقف أنت في زمن الفتنة؟»، فهذا من السنن (الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون).
نحن لا نعلم الغيب، وليس لنا إلا اتباع الموازين الشرعية والسير على المحجة البيضاء، فإنه «لا تجتمع أمتي على ضلالة» والعلماء اليوم مجمعون على نبذ العصيان.. ومن يقل بتهميش تلك الموازين ويصفها بالرمادية، فقد وقع في منكر كبير، لقد كنا، ولانزال، نفخر بأن الشريعة عالجت بنجاح مجالا دنيويا معقدا ـ المعاملات البنكية ـ فهي على ما سواه من ميادين الحياة، أقدر، بإذن الله جل شأنه.
[email protected]