فيصل الزامل
صحيح، ما السبب؟ فعلى الرغم من دخول عناصر جيدة في كل مرة إلى مجلس الأمة، إلا أننا ننتهي إلى تكرار نفس الموال وتضيع آمالنا في إمكانية التغيير، ما السبب؟ إن حالنا يشبه تغيير العازفين في فرقة موسيقية بينما «النوتة» التي يتبعونها في العزف لم تتغير، ولو حدث العكس، وتغيرت «النوتة» فإن تعديلا بسيطا في العازفين يمكن أن يكشف عن مقطوعة موسيقية رائعة.
بعبارة أخرى، المواطنون يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية التغيير بعد انتهاء العملية الانتخابية، فإذا هم قالوا للنواب الذين يعملون بجد واجتهاد بغير عمليات استعراضية وحركات بهلوانية «قواكم الله، هذا اللي نتوقعه منكم ومن أمثالكم» فإن هذه النوعية ستكثر، والعكس صحيح إذا تجاهلنا هؤلاء، وشجعنا شخصا لا يعرف قيمة دوره كرجل دولة، يعيش بعقلية المشجعين في حلبة مصارعة، إننا إذا فعلنا ذلك نكون قد أرسلنا رسالة خاطئة إلى المنتج والمثابر من النواب، وأفهمناه أن ما نريده من النائب هو متابعة الناس لأدائه المسرحي عبر البث التلفزيوني والاستماع إلى مساجلات فارغة، فيترك كل نائب العمل الجاد والإنتاجية الصادقة ويبحث عن فاشلين في دراستهم، ناجحين في التسلل إلى وسائل الأعلام ليمارس التمثيل على الأمة، بدلا من تمثيلها.
نعم، نحن السبب، تتقدمنا الصحافة في تحمل مسؤولية تغيير نوايا نائب صادق، مخلص، يفيض طموحا لتنمية بلده، وإذا به يتحول إلى شخص انتهازي يقول عن كل تصرف لا أخلاقي «هذه هي السياسة»، وهو فهم معوج ترعاه صحافة الهمز واللمز والدس والوقيعة، ويشجعها جمهور غافل، يقول كل يوم «قريتوا اش كتب فلان؟» من غير أن يرفض تلك الممارسة الهدامة.
لقد استمعت إلى مرشحين في الأيام القليلة الماضية، ممن يفيضون حماسة لخدمة بلدهم، وقابلت كثيرا من الشباب الجديد الذين نجح بعضهم في انتخابات الأمس، وأتمنى ألا نتسبب نحن في حَرْف هؤلاء عن مسارهم، فقد قال لي أحد هؤلاء، وهو من حملة أعلى المؤهلات العلمية: «لن نترك بعد اليوم قلة قليلة تفرض رأيها على الأكثرية».. هذا الهدف الثمين لن يتم تحقيقه بغير دعم قوي من جمهور يقظ استفاد من دروس الماضي المؤلم.
لقد رأينا في السنتين الماضيتين تغيرات هامة في الساحة المحلية لصالح زيادة الوعي، فتأسست جمعية الشفافية التي شقت طريقها بخطى ثابتة نحو تنقية الأداء السياسي من الضبابية والتهريج، كما رأينا حشودا من الناخبين تتحرك نحو قضايا وطنية ولم تقبل بترك الساحة تحت رحمة نواب مسلوبي الإرادة، كما قمت بمتابعة صحف ـ ومن بينها «الأنباء» ـ من التي ضحت بالإثارة الرخيصة لصالح «المصلحة الوطنية»، هذه الصحف جميعا لم يهزها الانتقاد المستمر لها بأنها لا تستثير اهتمام جزء من شرائح القراء، ذلك أنها فضلت صالح الوطن على المصلحة الضيقة، ولم تؤمن بمقولة «هناك تيار عام يقول بكذا» لأنها اكتشفت لعبة «المانشيتات»، التي يسميها البعض «تيارا عاما».. لقد بطل مفعول تلك الألاعيب.
أخي المواطن، كن من «الفئة اليقظة الواثقة» تبرأ ذمتك، إن شاء الله.
كلمة أخيرة:
خطب عمر ( رضي الله عنه ) الناس فقال: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وثلاث قد ضمنهن الله تعالى ولا خلف فيهن:(إن الله لا يضيع أجر المحسنين).. و(إن الله لا يهدي كيد الخائنين).. و (إن الله لا يصلح عمل المفسدين).. وإن الطمع والكذب فقر حاضر».