بقلم: د.فاطمة عمر نصيف
بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخالدة «الإسلام» الدين الأمثل للحياة البشرية. ومن القضايا البارزة في هذا الدين قضية المرأة. فقد بعث محمد صلى الله عليه وسلم في وقت كانت المرأة فيه تعاني من الظلم الاجتماعي في أعتى صوره فجاء نبي الرحمة ليقرر مكانة المرأة وإنسانيتها وحقها في الحياة ،مؤكدا على حقوقها الاجتماعية والمالية والدينية والسياسية فأعلى قدرها ورفع من شأنها وأكرمها وأنصفها وبوأها مكانة عالية في الأسرة كأم وفي المجتمع كشطر للرجل بقوله صلى الله عليه وسلم «إن النساء شقائق الرجال»(سنن الترمذي) فوضع لها ميثاقا عالميا بمداد من نور يحفظ لها حقوقها ولا يملك أحد تغييره أو تبديله أو تعديله. قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (سورة الحجر، آية 9). «الأنباء» تستعرض على مدار حلقتين رؤية د.فاطمة عمر نصيف والتي ضمنتها في كتيبها «وثيقة حقوق المرأة كإنسان» حول ما ينص عليه هذا الميثاق:
المادة العاشرة:
للمرأة الحق في حماية مصالحها الأدبية، ولذا أعطاها حقا أدبيا وهو الحجاب لتحمي به نفسها من اعتداء المعتدين ونظرات الفساق الفاجرين، قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما) (سورة الأحزاب، آية 59).
المادة الحادية عشرة:
للمرأة حق الزواج برجل مسلم وتأسيس أسرة ـ متى بلغت سن الزواج ـ فلا يُبرم عقد الزواج الا برضاها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن» (صحيح البخاري).
فإن عقد الزواج من دون رضاها يعتبر هذا العقد موقوفا برضاها ان شاءت ألغته وإن شاءت أمضته، ففي الحديث عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت الرسول صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه.
وبموجب عقد النكاح يصبح:
أ ـ للمرأة حقوق على الزوج كما له حقوق عليها، وتحيط بهذا العقد تشريعات تفصيلية واضحة سواء في حالة انشاء العقد واستمراره او انهائه بنصوص ثابتة.
ب ـ الحياة الزوجية بين الزوجين تقوم على أسس متينة هي: (المعروف ـ المساواة ـ الشورى).
1 ـ المعروف: وصف القرآن الكريم التعامل بين الزوجين على انه تعامل بالمعروف لأن السمة الأصلية الثابتة لكل المعاملات هي أن تكون بالمعروف قال تعالى: (وأتمروا بينكم بمعروف) (سورة الطلاق، آية 6)، وقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) (سورة النساء، آية 19)، وفي ذلك يقول ابن كثير: «أي طيبوا أقوالكم لهن وحسنوا أفعالكم وهيأتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله» (تفسير القرآن العظيم لابن كثير).
2 ـ المساواة: عندما فرض الله عز وجل على كل منهما واجبات أعطى في المقابل لكل منهما حقوقا ليستشعر كل منهما العدالة في قرارة نفسه فيكون كل منهما أقدر على العطاء فيعيشان في سعادة ووئام وجماع تلك الحقوق والواجبات في قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) (سورة البقرة، آية 228).
3 ـ الشورى: قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) (سورة الشورى 38)، وقال تعالى: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) (سورة البقرة، آية 233).
ج ـ للمرأة الحق في سكن خاص بها إذا تزوجت لا يشاركها فيه أحد إلا برضاها، ولها الحق في النفقة والكسوة.
المادة الثانية عشرة:
للمرأة الحق في التعليم والتربية ويكون التعليم الأولي إلزاميا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (سنن ابن ماجة للحافظ بن عبدالله بن ماجة)، وأن يكون التعليم فيما يخصها وتحتاج اليه متوفرا وألا تمنع من هذا الحق في أي مرحلة من المراحل ولو كانت مرحلة الدراسات العليا.
المادة الثالثة عشرة:
للمرأة الحق في العمل فلها أن تعمل في أي مشروع أو مهنة شريفة، ولها الحق في الأجر الذي تكسبه، ولها الحق في الراحة حين تحتاج اليها كالرضاعة، وعند بداية الدورة الشهرية وبعد الولادة (فترة الأمومة) تحدد حسب الحاجة، كما انها ليست مجبرة على العمل لأنها مكفولة النفقة من الولادة الى الممات بموجب هذا الميثاق، كما انها ليست ممنوعة منه، تعمل متى شاءت وحسب ما تقتضيه ظروفها، جاء في الحديث عن أبي الزبير انه سمع جابر بن عبدالله يقول طُلقت خالتي فخرجت تجذ نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «بلى فجذي نخلك فإنك عسى أن تتصدقي أو تفعلي معروفا» (صحيح مسلم).
المادة الرابعة عشرة:
للمرأة شخصيتها الاجتماعية المستقلة في البيعة بقوله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) (سورة الممتحنة، آية12)، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم بها النساء على الصفاء يوم فتح مكة معتبرا المرأة ذات شخصية مستقلة، ومسؤولية مستقلة.
المادة الخامسة عشرة
للمرأة حق منح الخائف المستجير الامان والحماية «الاجارة» وعلى الجميع احترام فعلها، هذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم»، والسنة النبوية العملية نقلت لنا قصة ام هانئ ابنة ابي طالب عندما اجارت رجلين من أحمائها فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» (فتح الباري بشرح صحيح البخاري).
المرأة في السيرة النبوية
ولنا في السيرة النبوية واقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العملية دلائل وشواهد تؤكد كل ما سبق ذكره من حقوق للمرأة.
فحياته قبل البعثة وزواجه من السيدة خديجة كان انموذجا عمليا لزواج ناجح تعيش المرأة في ظله في عز وامان، ثم بعد بعثته صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته بامرأة (زوجه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها)، وانتقل الى الرفيق الاعلى وهو على صدر امرأة (زوجه عائشة رضي الله عنها)، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم» (رواه الترمذي).
وكانت المرأة في مختلف مراحل حياتها موضع رعايته صلى الله عليه وسلم فنراه يحمل حفيدته امامة بنت ابي العاص في الصلاة، قال ابو قتادة: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم وامامة بنت ابي العاص على عاتقه فصلى فإذا ركع وضعها واذا رفع رفعها (البخاري).
وكان يرعى بناته بحنان الابوة الجميل، فكان اذا دخلت عليه فاطمة قام فقبلها واجلسها الى جنبه وكان يسمعها من العبارات اجملها، فيقول فاطمة ريحانة اشمها.
وكانت رعايته لزوجاته رعاية متميزة والقصص فيها كثيرة، ويكفي انه كان خير الناس في معاملتهن، فكان لا يُرى في بيته الا مبتسما عن الاسود، قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان في مهنة اهله ـ تعني خدمة اهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» (فتح الباري بشرح صحيح البخاري).
أما أم أيمن مربية الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يرعاها رعاية خاصة، ويقول صلى الله عليه وسلم عنها: «إنها أمي بعد أمي» (اخرجه الحاكم والعسقلاني وابن مسعود في الطبقات الكبرى).
وكانت المرأة تأتي اليه تشتكي من زوجها فيستمع اليها، تجادله وتراجعه حتى ينزل الوحي يعطيه حلا لمشكلتها، ويرحم الامهات في صلاته وعبادته عن عبدالله بن ابي قتادة عن ابيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز كراهية أن أشق على أمه» (عون المعبود شرح سنن أبي داود).
وقد شاركت المرأة في ظل تلك الرعاية النبوية في كل مجالات الحياة، فظهرت الطبيبة والممرضة فبرزت رفيدة الانصارية، وظهرت المعلمة والفقيهة والمفتية، فبرعت السيدة عائشة رضي الله عنها في القرآن والحديث والفقه والشعر واحاديث العرب واخبارهم وايامهم وانسابهم حتى اطلق عليها معلمة الرجال، قال عروة بن الزبير: ما رأيت احدا اعلم بالقرآن ولا بفرائضه ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا بنسب من عائشة، وقال ايضا ما رأيت اعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة (كتاب أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام).
والإسلام لم يمنع المرأة ان تتولى من الولايات ما يتناسب مع طبيعتها وقدراتها وما يتلاءم مع ظروفها، فقد ولى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبدالله العدوية ولاية السوق (المحلى لابن حزم).
والامثلة كثيرة، فرضي الله عن امهات المؤمنين والصحابيات.
وصلى الله على نبيه المصطفى ورسوله المجتبى صلاة وسلاما دائمين ما دامت السموات والارض.