كم هو ممل هذا السؤال المعتاد الذي تعودنا أن يوجه إلينا كل يوم!
فعلى الرغم من بدهية أسئلة كتلك التي نستخدم فيها: «كيف أنت؟ وكيف حالك؟»، إلا أننا نجيب عنها يوميا حتى دون تفكير، لأنها تسأل من غرباء أو محيطين لا يعنيهم حالك بالفعل.
قد تكون تلك الأسئلة مدخلا لطلب سيعرض عليك لاحقا، أو قد تكون استدراجا لشماتة، أو تطفلا لمعرفة أمر ما يعلمون أنه أصابك، فدفعهم الفضول لاستزادة بعض التفاصيل، أو سؤال عابر أصبح عادة ليس أكثر. لكن هناك آخرين يسألونك بصوت دافئ ولهفة متوارية تخفي صدق المشاعر وراء نبرة رنانة أو خفوت يدوي صداه في قلبك وكيانك، تود في هذه اللحظة أن تبوح بكل ما في دواخلك من انزعاج وفقدان لذلك الشخص الذي يعنيه أمرك حقا، ويعنيك أمره.
تود أن تصف له كيف أنت من دونه، وكم تتوق لرؤيته ومجالسته والأنس به، وكم حياتك موحشة في غيابه.
تود لو تقول له إن الوقت الذي يمر عليك دون وجوده أو على الأقل دون أن تسمع سؤاله عنك غير محسوب من عمرك، تشعر كم أنه طويل وثقيل على قلبك وجوارحك.
وكم تود أن يتوقف الزمن حال وجوده معك، فكم هو جميل الوقت الذي تقضيه معه، تشعر فيه بوجودك وأنك على قيد الحياة، يفصلك عن عالم الواقع ويأخذك معه في عالم آخر لا ترى فيه إلا عينيه ولا تشعر إلا بوجوده، تجتاحك مشاعر حد الامتلاء، تشعر أنها لو وزعت على كوكب الأرض لوسعته. لا تحتاج من العالم إلا أن تمتلئ عيناك من رؤيته أمامك، وبجواره تهدأ أشواقك، ويتوقف حنينك بدفء مشاعره، وتسكن روحك بشعورك بالأمان والاحتواء.
تنصب كل حواسك واحتياجاتك فيه لا غير، فقط هو، لأنه بالنسبة لك، الحياة بكل معانيها واحتياجاتها وروعتها.
كم هو جميل ألا يمل أحدهم طول الحديث معك وبجوارك ومشاركتك له كل تفاصيل حياته.
كم هو رائع أن يكون في حياتك من يفهمك وتفهمه، يشعر بك، وتشعر معه بالأمان والحب الصادق.
جميل ان نرى الاهتمام والاحتواء والاعتزاز والحب والتقدير من أشخاص كانوا لنا هدايا من السماء. وجميل أن يكون كل ذلك حبا خالصا لا تشوبه شوائب الدهر، أو لمز او همز من متطفل!
لا حاجة لنا في هذا العالم إلا للحب والخير والتواد والدعاء والاطمئنان عن بعضنا البعض، لو لم يكن هناك إلا هذه القيم الجميلة في هذا العالم لكفت ولاكتفينا وارتضينا.
جميل ان يكون المنح والعطاء بدون انتظار المقابل، فذلك إحسان وأي إحسان، وهذا الأخير بمعناه الراقي الواسع من إتقان وبلوغ درجات الكمال في السلوك البشري نحو الله!
«كيف أنت؟»، جمع هذا السؤال كل شيء جميل إن هو نبع من قلب صادق، وارتوى من معين أصيل!
«كيف حالك؟» سؤال تشابه كل سائليه إلا من يعنيه حالك فعلا، من يحتاج حقا أن يسمعك تقول: أنا بخير حتى يكون هو بخير.
[email protected]