في دروب الحياة التي اعتدنا أن نقطع، وفي منحدراتها الوعرة التي في بعض الأحيان نعبرها رغما عنا، يحدث ما قد يغير اتجاهنا فجأة، ويوجه مسيرنا إلى منحنى لم نظن أننا سنسلكه يوما ما!، يأخذنا من الروتين والملل القاتل برهة من الزمن، قد تكون من أروع الذكريات وأغربها في عمرنا كله.
وقد تكون تلك المنحنيات التي احتوتنا شاطئا للأمان، وملاذا نحو النجاة رغم ما يعترينا من إحباط، أحيانا يهجم علينا بدفعات متقطعة، وأحيانا أخرى يهجم بانطلاقة صاروخية تجتاز كل حدود السرعة الطبيعية فتوهمنا بأننا فقدنا السبيل إلى غير رجعة.
وما يقع لنا من أحداث مفاجئة وغير متوقعة تجعلنا نوقن بواقعية تلك القاعدة في الحياة، فقد كنت ماضية في طريقي الذي اخترته منذ فترة، وإذا بشخص غريب أتى من ورائي وربت على كتفي وقال لي: لا يصح أن تعالجي الخطأ بنفسه!
فالتفت إليه ناظرة بغضب وتعجب! من هذا؟! وكيف يجرؤ على أن يربت على كتفي!؟ ويقول لي ما قال؟! وماذا يقصد؟
وإذا بي أرى وجها شعرت أنني أعرفه، صوته عبرني كطلقة خرجت بقوة لقتلي، لكني شعرت بها تفتح شراييني المغلقة من سنين طوال! أخذت تعبر من شريان إلى آخر حتى استقرت في قلبي، شعرت بألفة بيني وبينها وكأنها استقرت في نفس مكانها هذا يوما ما!!
شعرت بأمان، وهدوء نفسي، وشغف وفرحة لم يسبق أن داعبت كياني، وأخذت أتساءل بذهول: ماذا يحدث؟ ومن هذا؟ ولم أشعر أنه ليس غريبا عني وكأنه جزء مني كان في، لربما تم انتزاعه مني أو بتره في الماضي قبل أن أعي من أنا، ثم عندما رأيته شعرت بهذا الحنين إليه؟!
اعترتني فرحة لم يسبق أن هزت كياني بهذه القوة سابقا، لكن في الوقت نفسه لا أعلم لم أنا خائفة؟! شعوري بالخوف هذا يتملكني منذ سنين طوال، آلفه ويألفني، لكن يقلقني ويخيفني شعوري المفاجئ بالفرحة والحنين الغريب الذي شعرت به دون أي مقدمات!
ثم استفقت من حلمي الغريب هذا سريعا، لكن ذهني لم يتوقف عن التفكير فيه، وفي قرارتي التي اتخذتها مؤخرا، ومدى صحتها وتأثيرها علي، كنت خائفة حد الرعب من الغد وكأنه آت ليسرق هذه السعادة التي لم تألفني ولم تملأ دواخلي يوما ما، أخاف أن أستسلم لهذه الفرحة وأتركها تغمر قلبي وكياني ثم تقتلني على حين غرة، فناديت وعيي بخوف وهلع كي يأخذني من هذا العالم الغريب سريعا قبل أن أعتاد عليه فلا أقوى على معايشة الواقع مرة ثانية.
نعم.. بت أخاف الفرح، وأفزع عندما أرى السعادة آتية إلي من بعيد، لطالما غدرت بي، ولطالما ذبحت قلبي دون رحمة قبل أن تلج حجراته الخالية المهجورة التي جف الدم فيها منذ سنوات عجاف ولم تعد فيها حياة، توقف نبضي أن يرجفها خوفا عليها من أن تتفتت من شدة جفافها فينهار قلبي صرعا، أشعر بروحي تنجرف مني وتذهب لهاوية بعيدة لا أرى لها قاعا أو نهاية، في الوقت ذاته أشعر أني استعدت جنوني القديم الذي انطفأت قناديله منذ أول طعنة لقلبي من سنوات بعيدة وكأنه مر علي ألف عام وأنا في سبات، كتلك الأميرة المسحورة في القصر المهجور التي ساق إليها القدر ذلك الأمير وأزال عنها سحرها بقبلة حب أعادت إليها الحياة. فيا ترى هل سأحيا مثلها؟! أم سأدخل في سبات العزلة والوحدة حتى الموت؟!
[email protected]