هناك نوع من أنواع الحب جوهره عشق خالص أصعب ما فيه أن تتوق روحك لمعشوقك طوال الوقت، فلا يغيب لحظة عن خاطرك ولا يتوقف قلبك عن الشعور به ولا تمل روحك من البحث عنه، فهو معك أينما حللت وارتحلت في صحوك وغفلتك، في واقعك وخيالك، في إمكانك ومحالك تشعر أنه احتلك جسدا وروحا فلا أنت حر فتنجو ولا أنت عبد فتتحرر...!
والأصعب.. أن تشتاق له وأنت في حضرته، حتى لو كان لا يقدر خوفك عليه ولا يتفهم قلقك الذي قد يشعره بالاختناق منك، ولا يهتم بك كما تفعل أنت، كم هو مؤلم هذا العشق الذي يعذب الروح ويأكل الجسد ويقصر الأمد!
أعجب حينما أرى إنسانا يرسل الله له من بني جنسه من يعطي له كل ما يملك ولا يملك أيضا ! ويقتص من ذاته ليعطيه راحته وهدوء باله واهتمامه ومشاعره وكل شيء ولا يقدر ذلك ! ولا يحافظ على هذه النعمة فيحرمه الله منها..!
فمن منا لا يحب الحب ويحتاجه ويتوق لمعانقة الاحتواء ؟!
من منا لا يسعد باهتمام روح تواقة لروحه متيمة بها يشعر بوجودها أنه على قيد الحياة، وأن للحياة معنى وبهجة وغاية تدرك بسمو فتتحقق المعجزات..!
من منا لا يحب أن يشعر بأنه مرغوب به من آخرين يسعدون بحضوره ويفتقدونه عند غيابه؟!
كيف لا يبيع إنسان نفسه لروح تقول له عندما أسمع صوتك تدب فيّ الحياة وتأتيني الدنيا راغمة ؟! وعندما تغيب تأخذ في ظلك كل شيء فيحل علي الظلام الحالك وتخرج مني روحي بحثا عنك، أشعر وكأنك قد ألقيت بي في قاع جب مظلم بارد لا حياة فيه !، يشبع حينما تأكل أنت! وينام حينما تصحو أنت! ويتقلب على الجمر حينما يغيب طيفك، يطير فرحا بابتسامتك وكأنه رأى نعيم الدنيا في هذه الابتسامة! وتنهار دواخله بنبرة حزن في صوتك؟!
كيف يرى هؤلاء البشر أن هذا اهتمام زائد عن الحد..؟ وربما يمقتونه ويلقون بصاحبه من نافذتهم!
كم عجيب هو أمر الإنسان!!
كثيرا ما يعطيه الله من نعم نادرة كحبات اللؤلؤ ويراها حبات زجاج مفتت مبعثر لا قيمة له..!
هؤلاء من ينظرون للأشياء والأحداث والنعم نظرة دنيوية بحتة إنما يرون بعيونهم لا ببصيرتهم الثاقبة التي ينعم الله بها على من يصطفي من عباده.
أخي وأختي إن أنعم الله عليك بإنسان كان لك كما ذكرت سلفا، ورآك على أنك نعمة أنعم الله بها عليه فاخطفه واحفظه في أعماقك واروه من حبك وحنانك واهتمامك كي تنبت داخلك شجرته النادرة فتستظل بها طيلة عمرك وتتغذى بطيب ثمارها وتتطيب بعطر زهرها الفواح الذي لا ينفد أبدا.
[email protected]