حينما تفتقد الروح من يسكن شغفها، وتخلو جوانحها من الاحتواء والاهتمام، تنطفئ قناديل النور التي تضيء لها الطريق، ويغطي الضباب معالم المسير، ويعاني القلب جفاف المشاعر، ويخفت النبض ويضطرب، ويغشى البصر، وتفقد النفس ملكة البصيرة، فيختلط الإحباط باليأس، وتغزو العقل الأفكار المتضاربة وتميل النفس الأمارة للانصياع لهواها فتزل القدم، ويخطئ سهم الصواب، فتنزلق روح الإنسان لمنحنيات الوديان الخالية من الأمان، ويضعف الاعتصام بحبل الإيمان، فتعود النفس مصابة بأشواك وسهام، تصيب القلب والكيان فيفقد الإنسان الاتزان والإدراك والإحسان، فيسقط في جب الظلام القابع أسفل ملتقى الوديان، وتقيده أهواء الشيطان فلا يقوى على النهوض ومقاومة الظلام....!
ثم يأتيه نور من أعماق الطريق هائما متلهفا يبحث عن رفيق، جريحا مثله فقد معالم الطريق فيقتسم له من ضيائه ويزيل عنه ظلامه ويبعث في نفسه الأمان ويزيل من ذاته الاستسلام، ويستدعي قواه من جب الأحزان، فتزيل عنه قيود الحرمان، وتخرج من صدره سهام الشيطان ويتقوى بالإيمان ويصارع الضعف والهوان ثم يصعد فوق الأحزان ويخطي حدود النسيان وتطأ قدمه أرض الأحلام....
فيها خير الأنام، فيها يرقى الإنسان لمنزلة الإحسان وترف الرحمن، ويسطع نور ملائكة الجنان مبشرة بمقعد الصدق والخير والأمان، فتنجبر النفوس وتستمتع بمعية الرحمن، حين تراه الأعين تفقد إدراك الزمان والوقت والمكان وتهيم في تجل واستسلام، فيدرك الإنسان..، أنه ما رأى نعيما قبل نور الرحمن، فترد إليه روحه بعد أن استعادت شغفها واطمأن حسيسها وصلح بالها واستقرت في خير مكان.
[email protected]