أضحى نادرا في عصر السرعة والتطور وافتقاد الترابط العائلي وقطع أوصال الأرحام أن نرى صورة جميلة تجمع بين بنت ووالدها في ساحة انتظار أحد المستشفيات لعمل فحص طبي، رأيتها تقرأ لوالدها في كتاب عن الطيران! حقيقة لم أقو على كبح إعجابي بهذا المشهد الجميل النادر الحدوث في عصرنا هذا، ومن ناحية أخرى أثار اندهاشي ثم فضولي عنوان الكتاب، فتقربت منها وأخذت منها الإذن بالحديث.
تبسمت بحياء كطفلة صغيرة رقيقة تحت ستار وجهها القاتم وحاورتها:
أرجو أن تسمحي لي عزيزتي أن أشيد بإعجابي بما تفعلين، وأود أن أقول لك ان هذا المشهد نحتاج الآن أن يدرس لأطفالنا في مناهج التعليم لتقوية الرابط الأسري والعاطفي بينهم وبين والديهم، لك مني تحية إجلال وتقدير.
والآن ان سمحت لي أن أسألك،
لم اخترت هذا الكتاب على وجه الخصوص؟!
أجابت: لأننا نفتقد أي معلومات عن الطيران، وكل معرفتنا عن الطائرة والطيران أنها تأخذنا من مكان وتحط بنا إلى مكان آخر، فلم لا نفقه أنفسنا عن وسائل نستخدمها في الحياة ونجهل كل شيء عنها!؟
قلت لها: جميل ما تفضلت وأصبت فيما قلت نعم، هناك العديد من أمور حياتنا نمارسها ونجهل الكثير عنها، فلم نعد نتمتع بالفضول تجاه العلم والمعرفة والثقافة والتاريخ وفهم ماهية الأشياء من حولنا..!، شغلتنا الدنيا عن الغاية من خلقنا، والاستمتاع بالطبيعة التي سخرها الله لنا، وما وفقنا في صنعه لراحتنا وتيسير أمورنا وفقدنا روعة التأمل في تجلي إبداع الله في الكون الذي يغذي أرواحنا بنور الإيمان ويمد نفوسنا بالهدوء والاطمئنان، ويذكرنا بفضل ولطف الرحمن.
شكرتها كثيرا وتركتها حتى لا أطيل عليها وأتركها للاستمتاع بجمال ما تقوم به مع والدها.
لكم هو رائع أن أعطي والديّ جزءا من وقتي وتسخيره في تصدير الحب والاهتمام بهم أيا كان النشاط الذي أتشاركه معهم حتى ولو مشاهدة التلفاز معا او قراءة كتاب لهم.
المهم أن يشعروا بحبنا واهتمامنا بهم، اقرأوا لأبنائكم حتى يقرأوا لكم حينما تكبرون وتحتاجونهم حولكم، فمن يزرع نبتته في أرض خصبة نقية يحصد ثمرة طيبة عطرة تعطره في حياته وبعد رحيله.
[email protected]