رئيس الحكومة المصرية مصطفى باشا النحاس يصدر أمرا بمنع إذاعة أغنية كلماتها هابطة للفنان فريد الأطرش، كتبها أبوالسعود الإبياري وهي «ما قالي وقلتله يا عوازل فلفلوا»، حيث إن «يا عوازل فلفلوا» لفظ شعبي دارج يهبط بالذوق الفني ويدعو للمكايدة، كان ذلك البيان عام 1950!
حينما قرأت ذلك المنشور تنهدت بعمق وقلت آه يا عم مصطفى، ليتني كنت معكم في تلك الحقبة الرائعة التي كانت تمتاز بالرقي الفني والحس الذوقي.
كانت الصالونات الأدبية والفنية والمسارح تكتظ بالناس لساعات يستمعون إلى الأدباء والشعراء والفنانين.
كان الفن والغناء له دور ذو قيمة وتأثير إيجابي في المجتمع وهو بمنزلة رسالة يافعة تراعي العادات والتقاليد وتحترم حق المواطن الفكري والثقافي في سماع ومشاهدة فن يليق به.
أتساءل: لو كان مصطفى باشا سمع الأغنية التي تقول «بت هاتي بوسة يا بت»، ماذا كان فاعلا؟!
وجدت الأغنية الشعبية منذ عصر الفراعنة كانت كنوع من الترفيه والتسلية وحافظت على وجودها وأخذت تتطور مع الوقت حتى الستينيات وللإقبال الشديد عليها تمت إذاعتها منذ بدأ الإذاعة المصرية من قبل هامات الفن الشعبي أمثال محمد طه والعزبي ورشدي حتى أخذت في الهبوط مع «السح اندح امبو».
وبعد عام 2000 ظهر تقسيم جديد للأغنية، الشبابية والشعبية، وهي الأغاني ما دون الشعبية، هذا النوع الذي يفتقد لكل مفردات الأغنية، من كلمات وألحان وصوت، فظهرت أغنيات على شاكلة «العنب» و«بحبك يا حمار» وغيرهما من الأعمال التي وبحسب الخبراء أفسدت الذوق العام بأكمله.
وبعد غزو الإنترنت، وما صاحبه من تقنيات الدمج والتلاعب في الموسيقى، ظهر نوع جديد من الأغنية الشعبية التي تعتمد على المزج الموسيقي بين أنواع مختلفة من الألحان والأصوات ترافقها كلمات مبتذلة، بعضها غير مرتب وغير مفهوم، ناهيك عن غياب الهدف والقيمة، وعليه ظهرت موجات ممن ينتسبون إلى الفن، فنُبتلى بنوع جديد من...! لا يمكن أن أسميه غناء، يطلق عليه (المهرجانات) التي هي بعيدة كل البعد عن الفن والغناء خاصة التي ترقص على كلماتها البنات بالسيوف والنار وتتلوى كالثعابين المتشردة في الساحات والطرقات! وهنا وصلنا إلى مرحلة الانهيار الأخلاقي والتدني الغنائي وموت الذوق ليس فقط الفني، بل العام أيضا.
فهل يا ترى بعد الوصول إلى تلك المرحلة هل سنظل نسمع هامات الغناء العربي الأصيل أم ستدفن مع من تبقى من جمهورها (السميعة) ويكون مصيرها كمصير اللغة العربية الفصحى التي أصبح من الفكاهة التحدث بها، فهل العيب في المغني أم الجمهور أم في السلعة أم في المصنع؟!
اللهم ردنا إليك ردا جميلا.
[email protected]