يتحدثون في مواضيع شتى، ولا يعون تأثيرها على الغير ابدا، ولا يملكون القدرة على فهمها، ولا يتبصرون حتى في عواقبها، رغم أنهم أشخاص محسوبون علينا، لكن لا حل يملكونه ولا ربط! لا اطلاع لديهم ولا علم بالتفاصيل والأحداث، يقلبون الأمر على مزاجهم وحدهم، ويتحدثون في كل شاردة وواردة، وغالبا ما تجدهم يقفزون هنا وهناك غير آبهين بما يقولون ولم يفكروا بتاتا بنتائجه.
فكما تعجب معاذ بن جبل رضي الله عنه من كون الإنسان يؤاخذ بما يتكلم به ويحاسب على ذلك فقال: «يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟!» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
فيفترض بأنه لا أحد له الأحقية في التحدث والخوض في كثير من المواضيع ويبدي رأيه دون أن يطلب منه، بخلاف انه غير مدرك تماما لما يسمع ولما يحدث، كي لا يوصل نفسه لمرحلة السخرية والاستهزاء ممن يحيطون به، وكما يقول الشاعر:
لا خير في حشو الكلام
إذا اهتديت إلى عيونه
والصمت أجمل بالفتى
من منطق في غير حينه
وعلى الفتى لطباعه
سمة تلوح على جبينه
فأنت تتحدث بما لا تعرفه، وتعلم علم اليقين أنك لا تعرفه، ومع هذا تكابر على نفسك وقلبك وتسترسل بالفهم الخاطئ للأمور دون تردد، هذا وبخلاف أن الناس من حولك تعرف أنه لا علم لك ولا معرفة بما تقول، وخصوصا أولئك القريبين منك! فلقد اصبح الكثير من الناس يظنون أن بحكم مكانتهم أو بحكم شخصيتهم وغرورهم أو ثقتهم الزائدة بأنفسهم، تسمح لهم بالتحدث حتى في الأمور غير الصحيحة للأسف، وان كانت تلك الأمور لا تعنيهم، وهذا بحد ذاته، هو الذي يقود البعض إلى التمزق والتشتت والضياع، بخلاف انه يفتح بابا لكثير من المشكلات.
لذلك، تجدهم من وقت لآخر يرفعون ويخفضون، بينما الحقيقة مختلفة تماما عن كل ما يدعونه، فآراؤهم وكلامهم ليس لها أدنى صلة بارض الواقع.
والأسوأ من ذلك، عندما يستند ذلك الكلام وتلك الآراء على جدار مائل.
فالأمر برمته ليس له أساس ولا رأي محددا، ولا يمثل أيضا مشكلة مهمة لها أصل، هو فقط يجر البعض للتنازع والتناحر بمن حولهم.
أشخاص يسعون فقط لفرض كلامهم على الغير، لزعزعة ثقتهم وهدم وتفكيك الكثير من علاقاتهم، واستفزازها بشكل مكثف ذلك ومن خلال تكرار هم ومحاولاتهم البائسة، ليثبتوا وجودهم ويبرزوا انفسهم اكثر، ولكن بمعلومات وكلام غير صادق وغير موثوق به على الأرجح، لكنهم يستخدمونه لإشباع نقصهم.
فهذا هو خيارهم الوحيد الذي يملكونه، لذلك دائما ما تجدهم يأتونك ليهزوا عروشهم المزورة على غيرك وعليك!