كثيرا ما كنا نرأف بحال البعض، نلطف بهم، نتعامى عن عيوبهم، نساير أكاذيبهم ومراوغاتهم، وبقدر المستطاع نحاول أن نتحاشى مواجهتهم، كي لا نجرحهم أو نثقل عليهم، أو نزعجهم ونؤذيهم بكلامنا وردود أفعالنا تجاههم، كي لا نخسرهم فنصبح بعيدين عنهم! إلى أن زادوا في تماديهم واسترسلوا بوقاحتهم، فترسخت بهم انطباعات غريبة، خالية وجوفاء، وتصرفات اغرب قد لا تتوقعها أبدا منهم، زائد ذلك الفكر الغبي الذي يناقضون به انفسهم، ولكن الأدهى والأمر من ذلك هو مكابرتهم وشدة تعنتهم.
هم أولئك أصحاب المعرفات الوهمية، الذين اعتادوا الزيف والكذب والرياء، حتى في أدق تفاصيل حياتهم، حتى في كلماتهم وأسس منهجيتهم، وكل ما يتعلق بهم وبشخصهم.
هم أولئك الذين لم تتحرك أحاسيسهم قط تجاهك أو تجاه كل ما تفعله لأجلهم، ولن تستيقظ إلى الآن - للأسف- ضمائرهم، فهم أشخاص لا يملكون سوى محتوى فارغ، كفراغ عقولهم ومشاعرهم وتفكيرهم وحتى ميولهم، مفتقرين إلى مدى واسع لمقاييس منعدمة التكافؤ إلى أبعد الحدود.
وأما الطامة الكبرى فعلا فهي أن كثيرا ما تجدهم يجازونك على عكس احترامك وكرم أخلاقك معهم، وعلى عكس إحسانك لهم، هذا وبخلاف انهم يحملونك فوق طاقتك، دون حياء أو خجل، ما يجعلك تتساءل بينك وبين نفسك، لم أو لماذا يحصل كل هذا منهم معك ؟! لتدرك بعدها وبعد تفكير عميق، أن السبب الرئيسي في كل هذا، هو صدق إحساسك ولين طباعك واندفاع مشاعرك تجاههم، فأنت الذي منذ البداية عودتهم! أعطيتهم قلبك فضمنوا بقاءك، إلى أن ظنوا أن في بعدهم ستنقطع أنفاسك.
وتأكد أن مثل هؤلاء الأشخاص يستحيل أن يقرّون بخطئهم وتماديهم وتقصيرهم معك.
وهذا إن دل فإنما يدل على نقصهم وضعف شخصيتهم التي يريدون التحرر منها من خلالك، وعلى حساب كرامتك وكيانك، لكنه لا يدل أبدا على قوتهم وقوة توازنهم وثقتهم.
تجود انت بالمعروف والإحسان إلى آخر رمق معهم، لتجد نفسك في الأخير مهموما، مغموما وحزينا بسببهم.
ذلك لأنهم أشخاص غير أسوياء، يطعنونك من الوراء، ولن تجني منهم سوى الخواء! ولأولئك البعض: تأكدوا أنكم مهما تصنعتم تلك المثالية الملائكية، المصحوبة بالنعرات والذرائع المزاجية، فلابد أنه سيأتي ذلك اليوم الذي ستخرجون فيه عن نطاق سيطرتكم، وستتضح أمام الناس شيطنة باطنكم على ظاهركم، وسيعرفون حقيقة أوجهكم.
يقال: توقف عن تلقي الضربات من أجل أشخاص لن يتلقوا الضربات من أجلك! لذلك تابع المضي قدما في حياتك، ولا تكن انهزاميا أبدا، كي لا تيأس وتسقط سلاحك.