يقال: «إن العزلة ضرورية لاتساع الذات وامتلائها، فالعزلة تشفي أداءها وتشد عزائمها»،
لذلك تجد أغلب الذين عرفوا الحياة جيدا خاضوها وجربوها غالبا ما كانوا يختارون العزلة والابتعاد عن معظم البشر، قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يأتي على الناس زمان تكون فيه العافية فيه عشرة أجزاء، تسعة منها في اعتزال الناس وواحدا بالصمت.
ذلك لأنك قد تجد الكثير يبتعدون ابتعادا تاما، كونهم اكتفوا من تلقي الصدمات الحياتية، حتى من أقرب الناس إليهم، فصاروا يتأرجحون بين الشك واليقين، وبين المحبة والسخط والحنين، وبين مفاهيم مختلفة مغلوطة ومتداخلة ببعضها، إلى أن تقوقعوا على أنفسهم إلى عزلتهم.
بعيدا عن ضجيج البشر وكثرة لغطهم ولغوهم، بعيدا عن صخب الحياة وضوضائها، بعيدا حتى عن كل ما يزعج مسامعهم ويسرق أنفاسهم، ويشل جوارحهم، وبعيدا عن تلك الأفكار المحبطة وعن يأسهم وخذلانهم.
عزلة تقودهم إلى عالم آخر، لا أشخاص فيه غيرهم، فقط هم وحدهم وذواتهم، دون ضغوط وبعيدا عن كل القيود، ليعيدوا حساباتهم مع أنفسهم، ولتمدهم تلك العزلة بأشياء أخرى تساعدهم وتشجعهم على الاهتمام أكثر في فهم وتحرير كيانهم، كما ستشعرهم أيضا بحقيقة قيمتهم،
كما ستلهمهم وتسافر بعيدا بهم، لينصتوا بكل هدوء إلى ضجيج أرواحهم التي أهملوها، ويبحثون عن أشيائهم التي فقدوها، وحتى عن ملامحهم التي باتت غريبة عليهم.
يقول دستويفسكي: «العزلة زاوية صغيرة يقف فيها المرء أمام عقله»، ففيها نلملم فوضانا ضد كل ما يعكر صفونا ومزاجنا، وفيها سنكون أكثر راحة وهدوء في حياتنا، كما سنتعلم أيضا كيف سنقلص من سماحتنا ونختزل من ثقتنا العمياء بمن حولنا، فالقليل جدا من يستحقها، والتي لولاها لما صار هذا وذاك يتمادى ويتجرأ علينا، إلى أن سفهونا واستصغرونا، وظنوا أننا لا نستوعب ما يحصل حولنا! وفي النهاية والأخير كي نتأمل المعنى الحقيقي لشخصيتنا.