قال الله تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) «الزخرف: 67».
فعلا وحدهم أولئك المتقون بصفاتهم وأعمالهم تجدهم يتنزهون عن الكثير من الأمور مخافة الله سبحانه، لذلك هم دائما متصالحون مع ذواتهم وأحوالهم في كل شؤون حياتهم، بخلاف قلبهم الطاهر النقي الذي بين أضلعهم، يعيشون حياة طبيعية ومنسجمة، بلا تصنع وأقنعة، بلا دفاعات وحيل وحجج ومجاملات كاذبة خاطوها لغيرهم بخيوط مهترئة.
وأولئك هم أنفسهم الذين لا يتقهقرون من منظر الأصحاب والأحباب، الأقارب والأصدقاء، إن وجدوهم على قلب واحد، يجمعهم الحب والوئام، بل دائما ما يكون لهم هذا المنظر أحب إليهم من أنفسهم، ولا يجعلون منه أبدا سببا لهز وفقدان ثقتهم بأنفسهم وبمن حولهم، أو حتى يثير غيرتهم، بل على العكس تماما، دائما ما تجدهم يشيدون وبكل اعتزاز بهم، ويتحدثون على الدوام عنهم، وهذا وحده يعكس لك صفاء ونقاء نيتهم.
أما فيما يتعلق بالثقة، فعليك أن تحافظ على تلك الفئة وعلى احترامها، وتسعى قدر المستطاع لكسبها، وبالأخص من كان واضحا منهم معك، ولم يفكر يوما ما في أن يؤذيك أو يخيب ظنك ويجرحك، لا أن تشعل نار الخبث تجاهه، وتريه العكس!
قال المناوي: «سبب الحسد خبث النفس، وأنه داء جبلي مزمن، قلّ من يسلم منه»، فحذار أن يتمكن منك فيهلكك، ويجعل منك شخصا أنانيا ونرجسيا، لا تحب أن تسمع حتى كلمات الإشادة والصيت الجميل والثناء الحسن عنهم، فقط تريد تلك الكلمات أن تكون فقط لك وحدك، وهذا ليس له سبب إلا خبث النفس ورداءة الطبع، وهذا صعب المعالجة، لأنه ليس سببا عارضا تسهل إزالته.
لذلك، تجد أغلب هؤلاء مهموما دائما ومغموما، منشغل البال، ولمثله نقول: أتعتقد أن وجود مثل هذه الفئة، ستجعل مكانتك على شفا حفرة؟! والأدهى من ذلك أنك لم تر منهم سوى كل الحب والاحترام والتقدير! فما عذرك إذن؟!
ألا يجب أن يكون تعاملك بالمثل وطبيعيا معهم غير متقلب! سواء كانوا معك أو مع غيرك؟! أو ليس من المفترض أيضا أن تلقاهم بنفس تلك الابتسامة العريضة، وذلك الأسلوب والترحيب القوي الذي اعتادوه منك وبالأخص حين يكونون برفقتك أو بضيافتك؟!
يقول الشاعر:
لا يخدعنك مدح الباسم العبق
بعض التبسم مصنوع على حنق
كما قال الأحوص الأنصاري أيضا:
وإني للمودة ذو حفاظ
أواصل من يهش إلى وصالي
واقطع حبل ذي ملق كذوب
سريع في الخطوب إلى انتقال
فلم تناقض نفسك وتشتاط كالأطفال بتصرفاتك، بمجرد مصادفتك لهم في مكان ما؟! ولماذا تلك المفردات المبهمة، والتي لن تخلو من سوء تلميحاتك التي حيرتهم منك وفي الوقت نفسه فاجأتهم؟ هذا، وبخلاف أنها أكدت لهم حقيقتك، وحقيقة تضاربك وتخبطك، فأصبحت كما يقول المثل الشعبي: «بو وجهين»! وكأنك في تنافس قاتل معهم! تأكد دائما وأبدا أن الجدارة والمكسب الحقيقي هو مكسب الروح والشكل الداخلي لا الخارجي، وهذا ما جعلهم أشخاصا يمتلكون نسيجا خاصا بهم، بعيدا عن الغيرة والمنافسة والتناقض والأنانية، وبعيدا عن النميمة والإجحاف والازدواجية.