يقول الإمام الشافعي:
لَم يَبقَ في الناسِ إِلّا المَكرُ وَالمَلَقُ
شَوكٌ إِذا لَمَسوا زَهرٌ إِذا رَمَقوا
فَإِن دَعَتكَ ضَروراتٌ لِعِشرَتِهِم
فَكُن جَحيماً لَعَلَّ الشَوكَ يَحتَرِقُ
وقد حذرنا قرآننا الكريم من هذا الخلق السيئ الوخيم، ووضّح لنا ماهي صفات أصحابه، كما بين لنا أيضا نتيجة عاقبته ونهاياته.
يظهر الفرد حبه للخير والعفوية والنقاء، ويبطن بداخله الشر، والخبث والنفاق، لذلك تجده يحيك مؤامراته ومخططاته في الخفاء.
يحيكها على أمور تافهة لا تستحق، وأطماع دنيوية دون وجه حق.
هذا فقط بهدف إرادة إسقاط شره على الآخرين غيره، بسبب أنانيته وحبه المفرط لنفسه، وبالأخص في زمننا هذا، مع صخب هذه الحياة التي نعيشها وكثرة تكاليفها، والتنافس على شهواتها، وغياب قيمها، واختفاء النوايا الصافية فيها، وعدم وجود المحبة والخير في نفوس بعض البشر للغير.
هذا وبخلاف أنه خلق ينافي أخلاق أصحاب النفوس الكريمة النادرة، تلك النفوس التي تأبى أرواحها وترفض رفضا تاما كل فعل سيء، ظالم ومقيت يغاير حقيقتها.
فمن يلجأ إلى المكر والحيلة والتبييت في خفية، كي لا ينكشف أمره ماهو إلا شخص ضعيف وضعيف جدا، ضعيف في شخصيته وفي ذاته، ضعيف في تكوينه وحياته، ضعيف حتى في كذبه وجميع تصرفاته، وبلا قيمة فيما بعد يصبح كيانه.
فما هو إلا صاحب شخصية قاصرة سلبية، بعكس الشخصية القوية الواثقة من نفسها ومن تصرفاتها، التي لا تعتمد أبدا على المكر واللف والدوران في حياتها.
المكر لا يثمر منه سوى التباغض والتناحر والتدابر، بخلاف انه صفة لا تليق بمن آمن بالله سبحانه ورسوله، ولا تليق بمن تخلق بآداب قرآننا الكريم والتصرف الحكيم.
كونه مليئا بالمماذقة والضلال، مليء بالتلفيق والانحراف، خاليا من العدل والإنصاف.
لكن للأسف بأنه تجذر وبشكل ملحوظ في قلوب البعض وأصبح جزءا لا يتجزأ منهم.
فصاروا يمكرون بصفاتهم، بأفعالهم وبأقوالهم، ليتحايلوا على غيرهم، من خلال أفكارهم الوضيعة وسوء نواياهم، ناسين أن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لهم، يعلم صالحهم من طالحهم، كعلمه بحقيقتهم التي يخفونها بداخلهم.
فيكفي أنها تدل على ضعف إيمانهم وانطماس بصيرتهم، فلا قيم إنسانية ولا أخلاقية لديهم، ولا أحكام عقلية أو حجج منطقية توجههم، أو ضمير حي يؤنبهم.
وفي المقابل أنت لست بمسيطر عليهم، فدعهم ولله سبحانه فوض أمرك، وبقدر المستطاع تجنبهم، وأبعد نفسك عنهم، لتصبح نقية ورائعة حياتك.