يقال: إذا أردت أن تستشير فلا تخيب، وتنال الرأي السديد، فالجأ إلى أصحاب التجارب القاسية، ومن كانت أخطاؤهم أو ظروفهم معلمهم الأول، فالدرس الباهظ الثمن لا ينسى! فكثيرا ما تقسو علينا الدروب، وتضيق بنا مطبات الحياة، وتعصف بنا رياح المحن بين الحين والآخر، وتمر علينا أوقات أحيانا تضيق فيها الأرض بما رحبت، فتنتابنا مشاعر مختلطة، بها تهبط معنوياتنا إلى أدنى مستوى، حتى نتمنى كما يقال: لو كنا في باطن الأرض وأن الحياة لم تسجلنا أبدا في دفتر حضورها! فحينها نشعر بأننا لم نستطع أن نستجمع حتى قوانا الخائرة، أو نلم شمل قوتنا وإيماننا وإرادتنا، فهكذا هي الحياة، لابد من ضريبة وثمن لكل فرحة أو حزن، ما يجعلنا حذرين جدا ونحن نواجه عقباتها وصعابها، كي لا نلغي جمالها ولا نغطي روعة لحظاتها، فلولاها ما فتحت أبواب الحكمة لأحد وما أوتي منها شيئا، أي لولا ظلمة الشدائد ما كان عبق الفرج أصلح كل ما أفسد في الروح، ووصل شذاه، ليلقي عليها السكينة والمسرة، فدائما هناك متسع للفرح لمن يريد أن يراه.
لذلك لا بأس بأن تستشير أحيانا من استطاع أن يخط دروسه على سبورة الزمن بقلم تجارب حبره، لتستفيد منه ولتتعلم، لتصقل شخصيتك من جديد وتكون بارعا ومتميزا، وكي تشطب على كل من أبهروك في البدايات! وكانت خيباتهم لك لن تنسى في النهايات، ولتجعل منهم أسوأ مثال، لا يشرف أي مخلوق كان، على وجه الأرض أن يُحتذى.
فكم أصبحت أؤمن إيمانا تاما، بأن الإنسان الذي تعرض لمثل تلك المواقف، وصادف في حياته أشخاصا كهؤلاء مخيبين للظن، ذوي معدن رخيص، هو أكثر شخص يميز ويقدر ويحترم الأوفياء والمخلصين، بخلاف أولئك الذين عرف عنهم أنهم لغيرهم خاذلين، وأجزم بأنهم مجرد عابرين ما كانوا ولن يصبحوا غير ذلك! لما قيل إذا لا تطلب الكثير، لا تطمع بالمستحيل! ولا تطلب تقييما أو تقديرا من شخص ذي قلب مخلص، وتنسى أنك في زمن الخاذلين..!
فمعظمهم دروس على هيئة بشر لا اكثر، نحمد الله ونقول لهم بملء أفواهنا: شكرا لكل خيبة أتتنا منكم، شكرا بمنح ثقتنا العميقة التي لا تستحقونها لكم، شكرا لتهشيمنا وإهمالنا في حياتكم، فبه يقوى عزمنا وإصرارنا، وبه قوت إرادتنا، شكرا لعدم فهمكم لنا، ذلك بسبب تفاهة سطحيتكم لا بسبب عمقنا، فذلك جعلنا للباري اكثر تقربا، وسرعة تخليكم عنا، جعلتنا نطرق أبوابه سبحانه بإلحاح ويقين ليعوضنا، ويعطينا خيرا أكثر مما سألنا.
فالكثير يمكنهم التعامل مع مواقف تتسم بعدم الوضوح، ومع ذلك يبقون متفائلين بأنه مهما كانت المشاكل أمامهم معقدة، فلابد من أن هناك وجود حلول، بإمكانهم من خلالها التمييز بين الخطأ والصواب، ما يجعل الطرف الآخر يعتقدها بمنزلة كبوة للطرف الأول.
كبوة يستغلها ضده، ولأولئك الأشخاص أيضا نقول شكرا من الأعماق لكم، لأنكم علمتمونا كيف نعرف معادن البشر، لننتقي منهم من يستحق فعلا بأن يكون رفيقا صالحا لنا.
فلولا ولوج السيئين، التافهين أمثالكم في دائرة حياتنا، لما التقينا بالطيبين وعرفناهم وقدرناهم حق تقدير.
وعادة ما تزداد خبرتنا وتتحسن حكمتنا مع تقدم أعمارنا، فمن المفترض أن نتعلم كيف نصبح أكثر فهما وحكمة بمرور الوقت، فشوك الورد لا ينقص من جماله شيئا، لكنه يجعلنا حذرين أثناء قطفه!